النيرفانا والماهايانا في البوذية.. عندما يرتقي الراهب لدرجة إله!

في الديانة البوذية تشير ثيرافادا، النيرفانا (السنسكريتية؛ نيبانا في بالي) هي الهدف النهائي للممارسة الروحية: التنوير ونهاية المعاناة. في أقدم التقاليد البوذية.
عندما ترى تمثالا يمثل المعبود بوذا ولا تعرف أنه شخص محنط. نعم هذا التمثال لشخص محنط وقد اُكتشف ذلك من خلال الأشعة المقطعية على تمثال بوذا الذي يبلغ عمره ألف عام، وكانت المفاجأة أن التمثال يحوي بداخله راهب محنط، وهو الكاهن ليو كوان، والذي توفي منذ ألف عام.
وقد توفي عن طريق تقليد حالة روحية في البوذية تعرف بالنيرفانا، وهي أن يجلس الراهب داخل القبر في وضعية تأمل على شكل زهرة اللوتس، ويتم تزويد القبر بأنبوب تنفس وجرس، ويقوم الراهب يوميا بقرع الجرس؛ حتى يتأكد للمسؤولين أنه على قيد الحياة.
وعندما يكف الراهب عن قرع الجرس، يتأكد المسؤولين عن مراقبته بأنه مات، ثم يغلق القبر لمدة ألف يوم، بعدها يُفتح القبر ويفحص الجثمان، وعندما ينجح الراهب في عملية التحنيط الذاتي وأن الجسم ما زال على حالته، يرفع الرهب لرتبة بوذا أي يُرقى لدرجة إله. أما في حالة فشل الراهب عن عملية تحنيط جسده ذاتيا، يترك كما هو ويعتبروه قديسا!.
تعاليم النيرفانا
نسرد السطور التالية بحسب ما جاء في موقع lionsroar عن النيرفانا. تم استخدام هذا المصطلح من قبل بوذا التاريخي في خطابه الأول بعد تحقيق التنوير، “تحريك عجلة الدارما”، وبالفعل، الحقيقة النبيلة الثالثة – حقيقة التوقف – وهي إشارة إلى التوقف النهائي للمعاناة العقلية أو الجسدية، والمعروفة أيضًا باسم الدوكا.
ومع ذلك، في بوذية الماهايانا، لا تعتبر النيرفانا حالة التنوير الكامل والنهائي. في حين أنها تمثل التحقيق الكامل للسلام النفسي والتحرر من المعاناة الجسدية، فإنه لا يتضمن التفاني في تنوير جميع الكائنات وهو أمر أساسي في بوذية الماهايانا.
بالنسبة لبعض التقاليد، يُنظر إلى النيرفانا على أنها عملية تدريجية يتم تحقيقها من خلال الممارسة الروحية الدؤوبة، بينما تعني للآخرين بأنه يمكن تحقيقها فجأة.
على أية حال، يتم ممارسة الدارما من أجل كسر دائرة المعاناة والولادة الجديدة؛ إذ أن النيرفانا هي حالة تغيب فيها المعاناة، وعلى هذا النحو يمكن اعتبارها السلام المطلق، الخالي من “السموم الثلاثة” في البوذية وهي: التعلق، والنفور، والجهل.
اقرأ أيضا:
طاقة الظل الروحية والعلمية.. هل الظل مخلوق؟
الوقت الشبحي وسرقة قرون من الزمن.. لصالح من؟
التعمق الذاتي في النيرفانا
جميع الممارسات الأصيلة لبوذا تحمل في داخلها ثلاثة تعاليم أساسية تسمى أختام الدارما. هذه التعاليم الثلاثة لبوذا هي: عدم الثبات، اللاذات أو التخلي عن الذات، والنيرفانا. تمامًا كما أن جميع الوثائق القانونية المهمة تحمل علامة أو توقيع شاهد، فإن جميع الممارسات الحقيقية لبوذا تحمل علامة هذه التعاليم الثلاثة.
إذا نظرنا إلى ختم الدارما الأول، عدم الثبات، نرى أنه لا يعني فقط أن كل شيء يتغير. وبالنظر إلى طبيعة الأشياء، يمكننا أن نرى أنه لا شيء يبقى على حاله ولو للحظتين متتاليتين. ولأن لا شيء يبقى دون تغيير من لحظة إلى أخرى، فهو بالتالي ليس له هوية ثابتة أو ذات دائمة.
لذلك، في تعليم عدم الثبات، لا يوجد ذات غير متغيرة. وبالتالي يصبح “لا للذات” أو التخلي عن الذات، وهو ختم الدارما الثاني. ولأن الأشياء في حالة تحول دائمًا وليس لها ذات، فإن الحرية ممكنة ويقصد هنا بتحرر الجسد.
أما ختم الدارما الثالث هو النيرفانا. يعني الصلابة والحرية، والتحرر من كل الأفكار والمفاهيم. كلمة “النيرفانا” تعني حرفيا “نسف كل المفاهيم”. إن النظر بعمق في عدم الثبات يؤدي إلى اكتشاف اللاذات، من ثم اكتشاف اللاذات يؤدي إلى السكينة، والسكينة هي ملكوت الله.
عدم الثبات
إن ممارسة عدم الثبات وفهمه ليس مجرد وصف آخر للواقع. إنها أداة تساعدنا في تحولنا وشفائنا وتحررنا. عدم الثبات يعني أن كل شيء يتغير ولا شيء يبقى على حاله في كل الأوقات. وعلى الرغم من أن الأشياء تتغير في كل لحظة، إلا أنه لا يمكننا وصفها بدقة بأنها نفسها أو مختلفة عما كانت عليه قبل لحظة.
إن بصيرة عدم الثبات تساعدنا على تجاوز كل المفاهيم، إنها تساعدنا على تجاوز الشيء نفسه والمختلف، والذهاب. ويساعدنا أن نرى النهر بأنه ليس هو نفس النهر بالأمس ولكنه ليس مختلفًا أيضًا.
عدم الثبات يوضح لنا أن الشعلة التي أشعلناها بجانب السرير قبل أن نذهب إلى النوم ليست هي نفس الشعلة التي أشعلناها في صباح اليوم التالي. وأن الشعلة الموجودة على الطاولة ليست شعلة أخرى، ولكنها ليست شعلة واحدة أيضًا، بمعنى اختلاف الحقائق برغم ثباتها.
كثيراً ما نحزن ونعاني عندما تتغير الأمور، لكن التغيير وعدم الثبات له جانب إيجابي كذلك. بفضل عدم الثبات، كل شيء ممكن، فالحياة نفسها ممكنة. إذا لم تكن حبة الذرة متغيرة، فلا يمكن أبدًا أن تتحول إلى ساق ذرة، وبالتبعية إذا لم يكن الساق غير دائم، فإنه لا يمكن أن يوفر لنا سنبلة الذرة التي نأكلها.
إذا لم تكن ابنتك تتغير وتكبر ويتغير حالها من حال إلى حال، فلن تتمكن من أن تكبر لتصبح امرأة. ثم لن يظهر أحفادك أبدًا. لذا بدلًا من الشكوى من عدم الثبات، يجب نرحب به ونهتف بأعلى صوت: “يحيا عدم الثبات”. يجب أن نكون سعداء بذلك، فعندما نتمكن من رؤية معجزة عدم الثبات، سوف يمر حزننا ومعاناتنا لا محالة.
ممارسة عدم الثبات
يمكننا جميعًا أن نفهم عدم الثبات في أذهاننا، لكن هذا ليس الفهم الحقيقي بعد. فعقلنا وحده لن يقودنا إلى الحرية، ولن يقودنا إلى التنوير. عندما نكون أقوياء ونركز، يمكننا التدرب على النظر بعمق، وعندما ننظر بعمق ونرى طبيعة عدم الثبات، يمكننا بعد ذلك التركيز على هذه الرؤية العميقة.
هذه هي الطريقة التي تصبح بها رؤية عدم الثبات جزءًا من كياننا، وتصبح تجربتنا اليومية. علينا أن نحافظ على بصيرة عدم الثبات حتى نتمكن من رؤية الأشياء بوضوح في الحياة، إذا تمكنا من استخدام عدم الثبات كأداة مهمة لتأملنا، فسنغذي فهم عدم الثبات بطريقة تجعله يعيش فينا كل يوم. مع هذه الممارسة، يصبح عدم الثبات هو المفتاح الذي يفتح باب الواقع.
النيرفانا والماهايانا
تختلف النيرفانا عن الماهايانا حيث تشير الأخيرة إلى “المركبة العظيمة” أو “الطريق العظيم”، هي أحد الفروع الرئيسية للبوذية. وهي الشكل السائد للبوذية في الصين واليابان وكوريا وجنوب شرق آسيا. وفي التبت، تطورت إلى فاجرايانا حيث ينصب تركيزها الأساسي على مثال البوديساتفا، حيث تضع احتياجات الآخرين – بما في ذلك الإدراك الروحي – قبل احتياجات الفرد.
أصول وتطور الماهايانا
في حين أن جوهر البوذية لا يتغير أبدًا، فإن طريقة تدريسها وممارستها تطورت باستمرار لتلبية الاحتياجات والاهتمامات والقدرات المتطورة للممارسين والأزمنة والأماكن التي تنتشر فيها. يعد ازدهار الماهايانا أحد المعالم البارزة في التاريخ البوذي.
المعنى الحرفي لكلمة نيرفانا هو “الإنطفاء” أو “الإخماد” ولكن عند التطبيق على حياة الإنسان الروحية يصبح المعنى أكثر تعقيداً. فيمكن أن تشير النيرفانا إلى فعل الإخماد – سواء بالتدريج أو بسرعة (مثل إخماد شمعة). الهدف النهائي في البوذية هو الوصول إلى النيرفانا، حيث يتم “إخماد” كل الرغبات، ويتحول الإنسان إلى حالة أخرى.
تخيل شمعة تحترق ثم تنطفيء. فلا يتم تدمير طاقتها بل تتحول إلى نوع آخر من الطاقة. هذا توضيح بسيط لما يحدث عندما تصل النفس إلى النيرفانا.
النيرفانا والكتاب المقدس
هناك ثلاث “نيران” يسعى البوذي إلى إخمادها لكي يجد النيرفانا وهي: الشغف، والكراهية، والجهل (الوهم). ظاهرياً، يبدو هذا الإخماد كتابياً. إذ يحذرنا الكتاب المقدس من الإنقياد وراء الشهوة/الشغف (رومية 6: 12)، ويأمرنا أن “نميت” كل ما هو أرضي في نفوسنا، بما في ذلك المشاعر الخاطئة (كولوسي 3: 5).
كما تدين كلمة الله الكراهية والجهل المتعمد. فيوجد ما لايقل عن 71 مثل مختلف يتحدث عن “الجاهل” وليس أي منها إيجابي. الكراهية ايضاً حالة سلبية كتابياً. “اَلْبُغْضَةُ تُهَيِّجُ خُصُومَاتٍ وَالْمَحَبَّةُ تَسْتُرُ كُلَّ الذُّنُوبِ” (أمثال 10: 12).
ولكن، إخماد البوذية لـ “الشغف” يختلف كثيراً عن توجيه الكتاب المقدس: “الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا” (تيموثاوس الثانية 2: 22). فالبوذية لا ترى أن الخطية هي إنتهاك الأخلاقيات الإلهية؛ بل توصي بالتخلص من كل الرغبات، الأمر الذي يناقض نفسه – واعلم لكي تتخلص من كل الرغبات، يجب أن ترغب في زوالها.
وهذه ليست فكرة كتابية، على أي حال – يعدنا الله أن يعطينا سؤل قلوبنا عندما نتلذذ به (مزمور 37: 4)، والسماء الكتابية، على عكس النيرفانا، هي مكان تفيض فيه المسرات وتتحقق الرغبات (مزمور 16).
إن مفهوم النيرفانا يتعارض مع تعليم الكتاب المقدس عن السماء. يقول الكتاب المقدس أننا لا نستطيع أن نصنع طريقاً نصل به إلى السماء (رومية 3: 20). فلا يمكن لأي قدر من التأمل أو إنكار الذات أو الإستنارة أن يجعل الإنسان باراً أمام الله القدوس.
وكذلك تعلم البوذية أن الشخص الذي يصل إلى حالة النيرفانا يفقد هويته الشخصية، وكل رغباته، يل وحتى جسده. ويعلمنا الكتاب المقدس أن السماء مكان فعلي، وليس حالة ذهنية، حيث نحتفظ بهويتنا الشخصية ونسكن في أجساد بعثت من الموت.
لن نكون موجودين في حالة ضبابية من الزهد الأبدي، بل سوف نستمتع بتحقيق أهم رغباتنا – الشركة مع الله: ” تُعَرِّفُنِي سَبِيلَ الْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى الأَبَدِ” (مزمور 16: 11).