أساطيرحكايات

الوقت الشبحي وسرقة قرون من الزمن.. لصالح من؟

الوقت الشبحي فرضية أو نظرية يُروج لها منذ زمن بعيد وليست وليدة اللحظة، ومفادها أننا نعيش في الماضي وأن هناك 300 عام مفقودين من التاريخ!.

عندما نسأل أحد عن التاريخ يقول لنا أننا نعيش في شهر يناير عام 2024، لكن وبحسب هذه الفرضية فإننا نعيش في عام 1724، فما هي القصة وما حقيقة نظرية الوقت الشبحي؟. حسنا، سنجيب عن هذا التساؤل في ظل السطور التالية:

الوقت الشبحي

هي فرضية ضمن نظريات المؤامرة التاريخية طورت من قبل المؤرخ الألماني هيربرت إليج،  تقترح أن نظام التقويم الميلادي تم فبركته من خلال إضافة حقبة الوقت الشبحي في العصور الوسطى المبكرة، تحديداً من عام 614 إلى 911 م.

وفقاً لهذه الفرضية، الأحداث التي تعود إلى هذه الفترة في أوروبا والمناطق المجاورة إما وقعت في فترة مختلفة أو لم تقع على الإطلاق. تشير الفرضية إلى وجود مؤامرة من قبل الإمبراطور الروماني أوتو الثالث والبابا سيلفستر الثاني وقد يشترك معهم الإمبراطور البيزنطي قسطنطين السابع في فبركة  التقويم الميلادي بأثر رجعي، بحيث تضعهم في عام 1000 م.

الوقت الشبحي

لا ندري على وجه التحديد ما هو المقصود من هذا، هل لإقحام شخصيات أسطورية وجعلهم أبطال يحكي عنهم التاريخ دون وجود لهم بالأساس، أم أن هناك غرض ما يريد منه القائمون على وجود الوقت الشبحي لتزييف التاريخ، ومن ثم خدمة مصالح وأحداث تترتب على ذلك في المستقبل.

في نفس السياق، هناك من يروج لحذف وفقدان 11 يوما كاملة من شهر سبتمبر عام 1752. ليأتي السؤال المهم ما قصة هذه الأيام المحذوفة وعلاقتها بالوقت الشبحي. سنكتشف سويا الاجابة تاليا.

حقيقة وليست فرضية

تعود القصة إلى فبراير عام 1582 حيث تم اعتماد التقويم الجريجوني بدلا من التقويم اليولياني من قبل الكنيسة الكاثوليكية والذي بدأ من عام 46 قبل الميلاد، وتم تسميته نسبا لواضعه وهو يوليوس قيصر، وظل معتمدا لقرون طويلة، ولكن شابه التضليل والأخطاء.

من هذه الأخطاء ما حدث من خلل حسابي في 11 دقيقة، والتي أثرت على أن تصبح السنة الميلادية أطول من السنة الشمسية أو الاستوائية بإحدى عشرة دقيقة، وبالتالي أدى إلى انحراف هذا التقويم يوما واحدا كل 128 عام، وأدى هذا الانحراف إلى تغيير تاريخ عيد الفصح.

الوقت الشبحي

حيث كان التقويم يزيد كل سنة بـ 10.8 دقيقة عن السنة السابقة، وقام البابا جريجوري بتعديل التقويم؛ لأنه أراد التأكد من أن يتم الاحتفال بعيد الفصح في وقت الاعتدال في فصل الربيع وبسبب ذلك، تمت إضافة 10 أيام للتاريخ والانتقال من 4 أكتوبر عام 1582 إلى 15 أكتوبر.

ورأى هربرت أن الفرق كان 13 يومًا وليس 10 أيام كما اعتقد البابا جريجوري، وقد تراكمت على مدى 1600 سنة من التقويم اليولياني. وفي عام 1986 تم عقد مؤتمر تاريخي في ميونخ، وكشف عن التزوير في وثائق تعود إلى مخطوطات القرون الوسطى من طرف الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.

كما بحث أليج عن أدلة أخرى تدعم فرضيته، ووجد البعض منها مثل فجوة البناء في القسطنطينية بين عامي 558 و908 ميلادي، نتيجة لذلك يعتقد هربرت أن هناك 297 سنة ملفقة ولا وجود لها من الأساس.

بناء على ما تقدم، وجب حذف نفس العشر أيام من شهر مارس حتى يتم الاعتدال الربيعي وهو أمر منطقي للغاية، إلا أن الكنيسة كان لها رأيا أخر، فقد رفضت رفضا قاطعا تلك المسألة، بغية عدم التأثير على الاحتفالات المسيحية، وتم الاتفاق على حذف هذه الأيام من شهر أكتوبر من العام 1582؛ بحيث تبدأ الأيام بشكل متسلسل طبيعيا حتى يوم 4 من الشهر ثم يظهر يوم 15 بشكل تلقائي من هذا الشهر في هذا العام تحديدا.

منذ ذلك الحين تم اعتماد التقويم الجريجوري حتى يومنا هذا، ولكن ليس كل الدول الأوروبية تعتمد هذا التقويم، فهناك بعض الدول التي لا تعترف به ولا تطبقه أو تتخذه تقويما لها، منها بريطانيا وذلك لإعتبارات سياسية رفضت الأخيرة اعتماد هذا العام.

استمر الحال في بريطانيا حتى عام 1750، واعتمدت الإمبراطورية البريطانية هذا التقويم بعد جدل ومناقشات عديدة. ولكي تسير بريطانيا على حذو مثيلاتها من الدول التي اعتمدت التقويم الجريجوري مبكرا عنها، تم حذف 11 يوما من شهر سبتمبر عام 1752.

ثم التحقت اليابان بهذا الركب عام 1872، وتحذف 12 يوما من شهر ديسمبر وتليها تركيا كأخر دولة تحذف أيام من تاريخها، واعتمدت التقويم الجريجوري في الأول من يناير عام 1927.

من الغريب في الأمر هو رد فعل الشعوب على حذف هذه الأيام، فقد قام الشعب البريطاني بالتعبير عن غضبه العارم؛ لأن هذه الأيام المحذوفة تنتقص من أعمارهم وأطلقوا حملة واسعة آنذاك، وثقتها كتب التاريخ تحت عنوان «أعطونا أيامنا الإحدى عشر».

من نفس المنطلق، هناك قصة طريفة لرجل بريطاني خرج على قومه ذات يوم، وأبلغهم بأنه يستطيع الرقص المتواصل لمدة 12 يوما دون نوم أو أكل وبلا توقف لحظة واحدة، لم يصدقه أحد بطبيعة الحال، ولكنه أصر وتحدى الجميع وطلب رهان بأموال طائلة.

اقرأ أيضا:

بوابات الجحيم والعالم السفلي.. الطبيعة تبوح بأسرارها.

الزواحف البشرية جنس من أعراق وأجناس سكان العالم السفلي.. ما القصة؟

الوقت الشبحي

بالفعل كسب هذا الرجل الرهان واستطاع الرقص المتواصل طيلة هذه الأيام دون توقف. لكن هناك سر في الأمر وهو أن الرجل بدأ بالرقص في اليوم الثاني من شهر سبتمبر من العام 1752، وفي صباح اليوم التالي والذي تأرخ كما سبق وأشرنا بالرابع عشر من سبتمبر من العام نفسه، توقف الرجل عن الرقص معلنا فوزه بالرهان، فهو بحسب التاريخ قام بالفعل بالرقص لمدة اثنى عشرة يوما كاملة وهو ما حدث بالفعل، هذا الرجل ذكي حقا!.

إذا، وعندما نتبع هذه النظرية فنحن نعيش في القرن الثامن عشر وليس الواحد والعشرين أليس كذلك؟، وعليه نعيش عام 1726 ميلادية، بحسب ما ذكرنا في بداية المقال وفقا للمؤرخ البرت إليج، وما ترتب عليه من أن معظم الفترات المؤرخ لها مزيفة ولا تمت للواقع بصلة.

الخلاصة:

إلا أن أغلب العلماء الذين درسوا العصور الوسطى يعد هذه الفرضية سخيفة ولا أساس لها من الصحة، لأن إليغ لا يملك معلومات كافية حول علم الآثار أو علم تحديد أعمار الأشجار، والذي يوفر أدلة قوية على أن هذه الفترة الزمنية موجودة وليست مفبركة كما يعتقد.

وعليه، لا يمكننا الجزم بصحة فرضية الوقت الشبحي وأنها حدثت بالفعل، وذلك بمعادلة بسيطة وهي أن الفرضية التي لا تدعم بالأدلة الموثوقة والمعتمدة من قبل الجميع دون استثناء، لا تعد حقيقة مسلم بها.

آمال أحمد

يأسرني عالم الترجمة وقضيت حياتي أحلم بأن أكون جزء من هذا العالم الساحر الذي اطلقت لنفسي فيه العنان لأرفرف بأجنحتي في سماء كل مجال، وأنقل للقارئ أفكار وأحداث من كل مكان على أرض المعمورة مع مراعاة أفكاره وعاداته وثقافته بطبيعة الحال، وفي مجال الترجمة الصحفية وجدت نفسي العاشقة للتغيير والمتوقة للإبداع والتميز.. من هنا سأعمل جاهدة على تلبية كل احتياجاتك ومساعدتك على تربية ابنائك وظهورك بالشكل الذي يليق بك ومتابعة الأخبار التي تهمك واتمنى أن أكون عند حسن ظنك.
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!