غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة
إيمانا منا بدورنا في زيادة الوعي بحضارتنا العظيمة، وتسليط الضوء على روعتها ليتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل، نستكمل معكم مقالاتنا ونتحدث اليوم عن معنى كلمة فرعون.
بدأنا معكم من فجر بداية القصة، لنتعرف على الحضارة المصرية العريقة، منذ نشأتها قبل التاريخ، لأننا كما نعلم أن مصر جاءت ثم أتى التاريخ ليسرد حكاياته. في الحلقات السابقة، تحدثنا عن المصطلحات المصرية القديمة، وما هو معنى كلمة مصر، وهل يرجع تسميتها إلى مصرات ابن سيدنا نوح، أم أن هذه المقولة غير صحيحة.
واليوم نتعرف معا على أصل ومعنى كلمة فرعون، فالكثير منا يعتقد أن كلمة فرعون، تطلق على الملك الذي يحكم مصر، فهل هذا صحيح؟، هلم معنا عزيزي الدادي، لنتعرف سويًا على الحقيقة في السطور التالية.
معنى كلمة فرعون في المعجم العربي
أصل اللفظ اُشتق لقب فرعون من بر-عو أو بر-عا (تأخذ «بر» رمز بيت و«عا» رمز عمود) أي المنزل الكبير أو البيت العالي في إشارة إلى قصر الحاكم.
وتحول مع مرور الوقت إلى لقب تفخيم يُعادل صاحب السمو أو صاحب الجلالة، وابتداءً من منتصف الأسرة الثامنة عشر أصبح لقباً لاسم الملك. كما أن هذه التسمية، هي لقب لكل شخص طاغي وجبار وعاتي، ويقال “دروع فرعونية” نسبة إلى فرعون مصر وتجمع الكلمة فتصير “فراعنة”.
معنى كلمة فرعون في المصادر الأجنبية
يرمز معنى كلمة فرعون إلى البيت الكبير، أو القصر الملكي في مصر القديمة، ولقد تم إستخدام هذه الكلمة من الأسرة 18 في الفترة 1292-1539 ق.م. وكان إستخدام التسمية غامضًا بعض الشيء للملك المصري، الذي حكم المملكة الحديثة، مع بداية الأسرة 22، ثم تبنى اسم فرعون، كأسلوب من أساليب الاحترام. وكان المصريين القدماء يعتقدون أن فرعون هو بمثابة الوسيط بين الإله والبشر.
علاقة فرعون بسيدنا موسى
قال عالم الآثار المصري، أن لقب “برعو” في اللغة المصرية القديمة تعني “المنزل الكبير” أو “البيت الكبير” أو ما يعني “الباب العالي” وذلك نسبة إلى تركيب “بر – عا”، الذي ظهر في عهد الأسرة الثامنة عشر والأسرة التاسعة عشر.
وأضاف أن هذا اللقب حرف في اللغة العبرية إلى “فرعو”، وفي اللغة العربية إلى “فرعون”، أي الملك الذي يعيش في القصر الملكي، لافتا إلى أنها ليس علاقة بفرعون الخروج “فرعون موسى”، وأن أي ربط بينهما هو اعتقاد خاطيء.
معنى كلمة فرعون في القرآن الكريم
فرعون أم ملك
بحسب الأثري أحمد نورالدين، في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم، إنه تم العثور على كلمة (pr c3) وتعنى “برعا” أو “فرعون” داخل الخرطوش الملكي في كثير من المعابد. مشيرًا إلى أن الاسم فقط في الحضارة المصرية القديمة هو الذي يكتب داخل الخرطوش، منوها بأنه قام بنشر كافة تلك الآراء والأدلة في كتابه “فرعون موسي وخروج بني إسرائيل” الذى صدر عام 2011.
وأرجع حدوث هذا الخلط في اعتقاد البعض بأن “فرعون” لقب الحاكم في مصر القديمة وليس اسما، إلى العادة في إطلاق الألقاب على ملوك العالم القديم. فعلى سبيل المثال يطلق على ملوك الفرس لقب كسري، على الرغم أن من تسمى بذلك هو ملك من ملوكهم، ثم اعتادوا بعد ذلك على تسمية كل ملك فارس بكسري.
كذلك قيصر وهو اللقب الذي أطلق على ملوك الرومان، على الرغم من أن أحدهم وأشهرهم قد سمي قيصر «سيسر» ثم أطلق اللقب بعد ذلك على الملوك الرومان وأصبحوا (قياصرة). وهو نفس الأمر بالنسبة لملوك الحبشة الذين لقبوا بلقب النجاشي علماً بأن أحدهم تسمى بالاسم نفسه هو النجاشي.
وقال إن من الدلائل التي تؤكد أن فرعون اسم وليس لقبا، هو أن ملوك مصر القديمة قد اتخذوا ثلاثة ألقاب منذ عهد بداية الأسرات. ثم أضافوا بعد ذلك لقبين آخرين، لتصل إلى خمسة ألقاب ليس بينها “برعا”، والألقاب الثلاثة الأولى هي “الحوري” وكان يؤكد صلة الملك بالمعبود حور (حورس).
ويجعله وريثاً له وحرص الملوك منذ البداية على كتابة اسمهم الحوري داخل صورة واجهة القصر يعلوه المعبود حورس. وتابع: ” أن اللقب الثاني هو “النبتي” وكان يؤكد صلة الملك بالربتين الحاميتين القديمتين نخبت (نخابة) حامية الصعيد (مصر العليا)، والتي رمزوا إليها بأنثى العقاب. وواجة (واچت) حامية الوجه البحري والتي رمزوا إليها بالحية.
واللقب الثالث هو “النسوبيتي”، وكان يؤكد صلة الملك بالشعارين المقدسين القديمين (سو) شعار مملكة مصر العليا (الصعيد) وهو نبات البوص أو الخيزران، و(بيتي) وهي النحلة شعار مملكة الوجه البحري أو الدلتا (مصر السفلي).
وأوضح أن اللقبين الآخرين هما “سارع” وهو اسم أو لقب يعني أن الملك هو ابن لإله الشمس رع، و”حور الذهبي” وهو خامس الألقاب الملكية، مؤكدا أن تلك الألقاب الخمسة هي التي تلقب بها حكام مصر منذ بداية الأسرات وحتى نهاية التاريخ المصري القديم.
وأشار إلى أن اسم فرعون جاء فى القرآن مع أسماء أشخاص آخرين، فالنبي موسي عليه السلام توجه برسالته مخاطباً ثلاثة أشخاص أحدهم اسمه فرعون والثاني يسمي هامان والثالث اسمه قارون. وفى الآية 104 من سورة الأعراف (وقال موسي يا فرعون إني رسول من ربَ العالمين ) فلو كان فرعون لقباً لقال موسى يا أيها الفرعون مثلما قال يوسف{ يا أّيها العزيز مسنا وأهلنا الضر} سورة يوسف آية 88.
ولفت إلى أنه رغم مجيء الأنبياء إبراهيم ويعقوب ويوسف عليهم السلام، لأرض مصر ومعاصرتهم لحكام في عصورهم إلا أنه لم يطلق على أي من هؤلاء الحكام لقب الفرعون. فالحاكم الذي عاصر إبراهيم عليه السلام أطلق عليه “الملك”، والحاكم الذي عاصر يوسف عليه السلام أطلق عليه “الملك” في خمسة مواضع، وهناك أيضاً العزيز.
بينما الحاكم الذي عاصر موسي عليه السلام أطلق عليه “فرعون” (74 مرة في القرآن) بدون – ال – التعريف في إشارة واضحة إلى أنه اسمه المجرد «فرعون» وليس لقباً. وأوضح أنه حتى في التوراة التي خلطت كثيرا بين ملك مصر وفرعون، تقول فرعون ملك مصر، أو فرعون المتربع على العرش، “قل لفرعون ملك مصر أن يطلق بني إسرائيل من أرضه” (الخروج6).
والمقصود هنا هو شخص اسمه «فرعون» المتربع على عرش مصر، لافتًا إلى أن التوراة قد ذكرت ملكًا مصريًا آخر وهو “شيشق” (شاشانق). وهو أقل من فرعون موسى أهمية، فكيف للتوراة أن تغفل ذكر اسم من ساماهم سوء العذاب وتذكره بلقبه وليس باسمه.
لنخلص مما سبق، بأن تسمية المصريين القدماء بالفراعنة هو خطأ شائع، ولا بد أن تصحح هذه المقولة، ونطلق عليهم المصريين القدماء فقط. نكتفي بهذا القدر وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.
كتبت: مروة مصطفى