الحضارة المصرية.. الأسرة السابعة والحقائق المفقودة
الحضارة المصرية كنز لا ينطفئ بريقه مهما مرت السنون، تجمعت فيه كل مقومات البقاء والخلود وستظل باقية أبد الدهر. ما زلنا وإياكم نكتشف هذه الكنوز التي لا تنتهي.
منذ بداية العالم وضُخ دم البشرية في عروق الحياة، خرجت للدنيا حضارة تعد عالما قائما بذاته، غيرت مجرى التاريخ ورسمت ملامح عظمتها على وجه الزمن، وكنا وما زلنا وسنظل نفخر بها حتى النهاية.
لمن يتابعنا للمرة الأولى، نعرفكم بهذه السلسلة من المقالات، فقد قررنا في الداديز أن نعرف الجيل الجديد ونذكر بقية الأجيال بهذه الحضارة العريقة الخالدة.
فتحدثنا منذ البداية أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة وننزل إلى الأعماق.
وعرفنا معنى كلمة مصر وسبب تسميتها ومعنى المصطلحات المصرية القديمة، وكيف قرر المصري القديم أن ينشأ امبراطورية حقيقية تديرها حكومة مركزية، وأن يأسس جيشا قويا يردع بقوته كل طامع وغاصب.
كما تحدثنا عن تفاصيل الأسر المصرية حتى الأسرة السادسة وعرفنا ملوكها وملكاتها، واليوم نستكمل معكم هذه الحلقات من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، ونتحدث عن الأسرة السابعة.
الحضارة المصرية
الأسرة السابعة
يعد العصر الذي تلا الأسرة السادسة إلى ظهور الأسرة الحادية عشرة من أظلم العصور في تاريخ مصر، وقد اختلف المؤرخون في تقدير طول هذا العصر؛ فقدره الأستاذ «فلندرز بتري» بنحو ٣٤٤ سنة، وذلك من بداية الأسرة السابعة إلى الأسرة الحادية عشرة، وقدره الأستاذ «برستد» بنحو ٣١٥ سنة من الأسرة السابعة إلى الأسرة العاشرة.
والواقع أن هذا العصر مجدب في الحقائق التاريخية، وما ذلك إلا لعدم وجود آثار معاصرة، وبخاصة في عهد الأسرتين السابعة والثامنة، وكل ما يمكن الإشارة إليه من الآثار في عهد هاتين الأسرتين بعض جعارين للملك «نفر كا رع» الذي يظن أنه من فراعنة الأسرة السابعة.
وكذلك أسطوانة من حجر اليشم الأخضر تعزي إلى الملك «خندو»، ويقال إنها من صناعة سورية، وهذا الملك «خندو» ينتسب إلى ملوك الأسرة الثامنة، وكذلك عثر على خاتم للملك «نفر كا رع تلولو» رب الشمال، وعلى مراسيم للملك «نفر كاوحور» وسنتكلم عن محتوياتها فيما بعد.
وتجدر الإشارة إلى فقر المعلومات عن هذه الحقبة من التاريخ، إذ يطلق عليها بعض المؤرخين بفترة الحكم الانتقالية، ولكننا حاولنا قدر المستطاع ألا نغفل هذه الفترة ونتحدث عنها في هذه الحلقة من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة.
من هم الأسرة السابعة؟
والظاهر أن هؤلاء الملوك الذين حكموا البلاد في خلال هاتين الأسرتين لم يشيدوا مباني عظيمة كأسلافهم في طول البلاد وعرضها؛ إذ الواقع أننا لم نعثر لهم في محاجر سيناء والحمامات على أي أثر من النقوش؛ إذ كان المتبع في عهد أسلافهم أن كل ملك من الذين أقاموا المعابد العظيمة ينقش اسمه على صخور هذه الجهات تذكارًا للحملات التي كان يرسلها لقطع الأحجار النادرة لعماراته ومقابره الخالده.
ويظن الأستاذ بتري أن الوجه البحري وجزءًا ومن الوجه القبلي قد غزيا في نهاية الأسرة السادسة، بل يقال إن قومًا من الشمال الشرقي من سوريا فتحوا مصر، ولا يستبعد أن يكون ذلك مقدمة للغزوة العظيمة التي قام بها الهكسوس للبلاد فيما بعد، وأهم ما لدينا من الدلائل على حدوث هذه الغزوة ظهور الأزرار التي كانت تتخذ شارات منذ نهاية الأسرة السادسه.
في ذات السياق، اختفت هذه الشارات في الأسرتين التاسعة والعاشرة، وهذا النوع من الأزرار التي عثر عليها في مصر رغم وجود بعض الأشكال المصرية البحتة عليها أحيانًا مثل علامة الحياة، وعلامة الصقر كان الطابع الأجنبي ظاهرًا في صناعتها واضحًا. هذا إلى أن الأسطوانات الخضراء التي عثر عليها من عصر الملك «خندو» هي صناعة أجنبية بغير شك، وإن كانت بعض التفاصيل التي عليها مصرية.
ولا يفوتنا كذلك ذكر بعض أسماء وجدت في هذا العصر مثل «شماي» و«ني» و«تلولو» و«عانوا» يستدل من تركيبها أنها سامية الاشتقاق، وكذلك كان نفوذ الملك قد تدهور تدهورًا عظيمًا في نهاية حكم الملك «بيبي الثاني» كما أسلفنا، وسادت الفوضى البلاد.
حتى إننا لا نعرف من الآثار التي بقيت لنا من عهد الأسرة السابعة شيئًا محدودًا، وكل ما وصل إلينا كان عن طريق رواية «مانيتون»، فقد روى لنا أن هذه الأسرة كانت تضم سبعين ملكا مصريا حكموا سبعين يومًا، ولا نظن أن مثل هذه الأسرة كان لها وجود بهذه الصفة، بل ربما ضرب لنا «مانتيون» ذلك مثلًا للفوضى التي كانت ضاربة أطنابها في البلاد بعد سقوط الأسرة السادسة.
هذا كل ما في جعبتنا من تفاصيل عن الأسرة المصرية السابعة، وعلى وعد بلقاء في المقالات القادمة، لننهل من بحر حضارتنا ونستكمل دورنا في نقل أسرار الحضارة المصرية.
كتبت: مروة مصطفى