تُعرف المحاكمة بأنها أمر قانوني خاص بالبشر العاقل المسؤول عن تصرفاته، لكننا اليوم نشير لقضية غاية في الغرابة وهي محاكمة الحيوان. نعم، ما قرأته صحيح فالبشر تخلوا عن انسانيتهم وعاقبوا الحيوان بالموت شنقا أو حرقا.
نسلط الضوء على قصص حقيقية وقعت في الماضي السحيق، قام أبطالها بفعل ما ينكره المنطق ويرفضه العقل، ونصبوا المحاكم وعلقوا المشانق، لينفذوا أحكاما تلقي بظلالها القاتمة على الانسانية، وترسم وصمة العار على وجه البشرية.
محاكمة الحيوان
عند قراءة هاتين الكلمتين يطرأ إلى ذهنك جنون الشخص القارئ أو الكاتب لهما، وتتبادر أفكار مثل: هل يعقل أن يكون هناك شخص يقوم بمحاسبة أو محاكمة الحيوان في وجود قضاة ومحامين؟، أو أن المحاكمة هذه تتم بين الحيوانات وبعضها البعض؟، أو أن هذه أساطير قديمة تناولها التاريخ مثل الأساطير الأخرى التي لا أساس لها من الصحة؟.
وحقيقة تأتي الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاث بكلمة نعم هناك أشخاص عاقلون يقومون بمحاسبة الحيوانات في جو قضائي وشهود، ولا تتم هذه المحاكمة بين الحيوانات وبعضها البعض؛ حيث أنه لا قدرة للإنسان على معرفة لغة الحيوان لتسجيل تصرفاته، وليست هذه أساطير توارثها البشر من زمن لآخر.
محاكمة الحيوان في العصور الوسطى
في الحقبة الزمنية للعصور الوسطى وعلى عادة انتشار الكثير من المعتقدات التي لا أساس لها من العلم وبسبب انتشار الجهل وتفشيه بين الناس في الإقليم الأوروبي القديم، شاعت ظاهرة محاكمة الحيوان، ولا سيما في الدولة الفرنسية التي بلغت أوج جهلها في مثل هذا الموضوع، وسنذكر لكم بعض أشهر هذه القصص التي قد لا يصدقها عقل في زمننا هذا.
تعرف على أبرز قصص محاكمة الحيوان في العصور الوسطى، وهي قصص حقيقية حدثت بالفعل، نتيجة جهل البشر وقساوة قلوبهم.
ماري.. حيوان بريء تم إعدامه على مرأى من الناس ومسمع
ماري، فيلة لطيفة يعتقد الناس أنها كانت معجزة في عصرها؛ حيث أنه في مطلع القرن العشرين وتحديداً عام 1908 عاشت تلك الفيلة متنقلة بين البلدان كما الأمر بالنسبة للأسود والقردة، حيث كانت تتنقل تلك الحيوانات للمشاركة في عروض السيرك المختلفة والفقرات الساخرة التي تقدم من قبل تلك الحيوانات وسط إعجاب وانبهار من المشاهدين للأداء المتميز لها.
ظلت ماري تشارك في العروض المختلفة، وفي عام 1916 ذهبت مع فريقها إلى ولاية تينسي لإقامة عرض يدعى تشارلي سباركس، وكانت ماري نجمة هذا العرض، وعلى عادة الحيوانات المستخدمة في عروض السيرك فإنه يتم توفير مدرب خاص للحيوان حتى يتم التجانس والاستجابة للأوامر بينهما.
ولكن حدث خلاف ذلك أثناء هذا العرض، فقد تخلف المدرب الخاص بماري عن العرض وتم الإتيان بآخر ليقوم بأداء العرض مع ماري، ولكن لم تتم الاستجابة من ماري فأظهرت التقاعس وسرعان ما تدارك المدرب الأمر وقام بضربها في منطقة حساسة ظنًا منه أنه بهذه الطريقة سيثير شهوتها وتقوم بأداء العرض.
رد فعل غير متوقع من ماري
وعلى عكس المتوقع، قامت ماري بإنكار فعل هذا المدرب وأظهرت رفضها وجن جنونها على خشبة المسرح، فقام المسؤولون عن العرض باتخاذ القرار بإخراجها على الفور، فجاء هذا المدرب للقيام بدور بطولي بإخراجها ولكن زادت لديها حدة الجنون فقامت بضربه برأسها فألقي على الأرض مغشياً عليه، وعندما همت بالخروج ضغطت برجلها الضخمة التي تحمل جسمًا وزنه تقريبا 4 أطنان على جسد المدرب فقتلته.
ردود أفعال صادمة حيال الحادثة
كان رد فعل الجمهور صادمًا لدرجة أنه قام بالامتناع عن حضور عروض السيرك لفترة من الزمن، وسرعان ما تداركت الحكومات بالولايات المتحدة الأمريكية هذا الأمر وأمرت بإصدار الأحكام ضد ماري، ولكن صاحب السيرك كان حريصاً على إقامة العروض بعد مضي شهر فغضب الناس وزادت ردود الأفعال، فقاموا بتنفيذ العقوبة ضدها. وكانت ضمن الحيوانات التي خضعت لمحاكمة الحيوان.
محاولات بائسة في إعدام ماري
تعددت المحاولات في التخلص من ماري، حيث تم اقتراح جلوسها على كرسي كهربائي ولكن بدت هذه الطريقة مضحكة بعض الشئ، فاقترحوا ربطها بين عربتي قطار وعند تحركهما يتمزق جسد ماري وتنتشر أشلاؤها في كل مكان، ولكن كان هذا الحل قاسياً ومرفوضًا.
في النهاية تم الاستقرار على إعدام ماري على مرأى من الناس ومسمع حيث تم تعليقها في آلة ضخمة مختصة بحمل عربات القطار ومن ثم السحب للأعلى لتموت ماري بالإعدام شنقاً وسط الجمهور الذي لم يغفر لها خطأها نتيجة اللاوعي لديها بالرغم من إمتاعها له سنين كثر.
جاموس مسكين.. تم إعدامه حرقًا لأسباب غير مفهومة
في إحدى الدول في بريطانيا العظمى وفي مطلع القرن السادس عشر تم نصب محاكمة الحيوان لجاموس مسكين وإعدامه حرقًا على عادة طريقة الإعدام التي كانت منتشرة وقتها في مثل هذه الجرائم التي تمت إلحاقها به، حيث قام الناس باتهام هذا الجاموس بممارسة أعمال السحر وتقديم البلاغات ضده!، وقاموا بمراقبته لفترة من الزمن ولم يتوصلوا إلى شئ فقاموا باتهامه بالخداع والتزوير ونفذوا عقوبة الإعدام ضده أمام حشد كبير من الناس!.
سان جوليان.. مدينة فرنسية شهدت محاكمة للحشرات الصغيرة
في عام 1495 بمدينة سان جوليان الفرنسية تم تقديم بلاغ للمحكمة بمداهمة الحشرات الصغيرة لزروع وخضروات البلدة وإلحاق الخسائر بها، وقبلت المحكمة البلاغ وقام 4 محامون بتولي الدفاع عن الحشرات، واستمرت هذه القضية لقرابة أربعين عاماً من الزمان إلى أن يأس أصحاب البلدة وقاموا بتخصيص رقعة زراعية للحشرات للأكل منها وعدم الاقتراب من أراضيهم، والغريب في هذا الموضوع هو استجابة الحشرات لهذا الأمر، وكان أفضل حكم صدر في خضم محاكمة الحيوان.
الفئران الرمادية.. محاكمة انتهت بالبراءة لصالح الفئران
قامت الفئران الرمادية بغزو مدينة أوتون الفرنسية في منتصف القرن السادس عشر، ومن الطبيعي في مثل هذا الأمور يبحث الناس عن حلول للتخلص من الفئران ولكن ما حدث لم يكن كذلك؛ حيث قام سكان البلدة بتقديم بلاغ للقاضي الذي قام بالموافقة على البلاغ وتولى إحدى المحامين الدفاع عن الفئران، وحينما تم تحديد الجلسات لمحاكمة الفئران لم تحضر في المرة الأولى فقام المحامي الخاص بهم بإعطاء مبرر لكبر سنهم وعدم قدرتهم على الامتثال للمحاكمة.
فقاموا بتحديد جلسة أخرى ولم تحضر أيضًا ليتم تقديم مبرر آخر يقتضي بخوف الفئران من القطط فقام القاضي بإصدار قرار بعدم خروج القطط في المدينة في هذا اليوم، وفي النهاية تم إصدار الحكم ببراءة الفئران من التهم المنسوبة إليها؛ نتيجة عدم الحضور لقاعة المحكمة، ليسجل التاريخ هذه الواقعة من أغرب الوقائع التي تم ذكرها.
وفي الختام، لا تنتهي القصص التي تتعلق بمحاكمة الحيوان، وقد ذكر التاريخ الكثير والكثير منها والتي كانت تنتشر نتيجة تفشي الجهل بين الناس وخاصة في الدول الأوروبية في العصور الوسطى، والتي تعد في زمننا هذا من الأساطير التي لا يمكن تصديقها بسهولة نتيجة الغرابة التي يتم سردها ضمن أحداث القصة.