الأسرة الثانية عشر.. أول نظام حكومي في العالم
لمن يتابعنا للمرة الأولى، نعرفكم بهذه السلسلة من مقالاتنا عن الحضارة المصرية القديمة، لنعرف الجيل الجديد ونذكر بقية الأجيال بها واليوم موعدنا مع الأسرة الثانية عشر.
منذ بداية العالم وضُخ دم البشرية في عروق الحياة، خرجت للدنيا حضارة تعد عالما قائما بذاته، غيرت مجرى التاريخ ورسمت ملامح عظمتها على وجه الزمن، وكنا وما زلنا وسنظل نفخر بها حتى النهاية، ودائما نكونغواص في بحر الحضارة المصرية القديمة.
فتحدثنا منذ البداية أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة وننزل إلى الأعماق.
وعرفنا معنى كلمة مصر وسبب تسميتها ومعنى المصطلحات المصرية القديمة، وكيف قرر المصري القديم أن ينشأ امبراطورية حقيقية تديرها حكومة مركزية، وأن يأسس جيشا قويا يردع بقوته كل طامع وغاصب.
كما تحدثنا عن تفاصيل الأسر المصرية حتى الأسرة الحادية عشر وعرفنا ملوكها وملكاتها، واليوم نستكمل معكم هذه ونتحدث اليوم عن الأسرة الثانية عشر.
الأسرة الثانية عشر
ملوك الأسرة الثانية عشر
- أمنمحات الأول (سحتب اب رع) 1991 – 1962ق.م
- سنوسرت الأول (خبر كارع) 1956 – 1911 ق.م
- أمنمحات الثاني (نوب كاورع) 1911 – 1877 ق.م
- سنوسرت الثاني (خاع خبررع) 1877 – 1870 ق.م
- سنوسرت الثالث (خاع كاورع) 1836 – 1817 ق.م
- أمنمحات الثالث (ني ماعت رع) 1817 – 1772 ق.م
- أمنمحات الرابع (ماعت خرورع) 1772- 1763 ق.م
- سبك نفرو(سبك كارع) 1763 – 1759 ق.م
من هي الأسرة الثانية عشر؟
بعد البحث في المصادر والمراجع جمعنا كل المعلومات لسردها هنا في هذه الحلقة من حلقات غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، إذ تعتبر هذه الأسرة من قبل علماء المصريات قمة المملكة الوسطى وهي آخر الأسر في المملكة المصرية الوسطى، حكمت الأسرة الثانية عشر لمدة 189 عاما ( من عام 1991 – 1802 قبل الميلاد)
التسلسل الزمني للأسرة الثانية عشر هو الأكثر استقرارًا في أي فترة ما قبل الدولة الحديثة. ذكر المؤرخ مانيتون أن مقر الحكم كان في طيبة، ولكن السجلات المعاصرة أظهرت أن الملك الأول لهذه الأسرة أمنمحات الأول قد نقل مقر الحكم إلى مدينة جديدة تسمى إج تاوي، ولم يتم اكتشاف موقعها بعد ، ولكن يُعتقد أنها تقع قريبا من الفيوم بالقرب من المقابر الملكية في اللشت.
إن ترتيب ملوك الأسرة الثانية عشر معروف جيدًا من عدة مصادر أولها قائمتان مسجلتان في المعابد: واحدة في أبيدوس والأخرى في سقارة، بالإضافة إلى قوائم مشتقة من أعمال مانيتون، يمكن ربط التاريخ المسجل في عهد سنوسرت الثالث بالدورة السوثية، وبالتالي يمكن تحديد سنة وقوع العديد من الأحداث خلال هذه عصر هذه الأسرة بشكل دقيق.
من هو مؤسس الأسرة الثانية عشر؟
كانت الفترة الزمنية الحكم في مصر القديمة لملوك الأسرة الثانية عشر من 2060-1802 قبل الميلاد. أسس هذه الأسرة الملك “أمنمحات الأول” الذي كان يشغل منصب وزير آخر ملوك الأسرة الحادية عشرة، ولقد تكبدت هذه الأسرة – الثانية عشرة – مشاق جسيمة لفرض سيطرتها وشرعيتها على المواليد للأسرة السابقة لها، واستطاعت حتى تحقق نجاحا على الرغم من بعض الأزمات الأخطيرة.
مثل تلك التي أسفرت عن اغتيال مؤسسها وذلك بفضل وسائل النادىية الفعالة التي قام بنشرها كتاب أكفاء . ولقد استمرت هذه الأسرة ممسكة بزمام السلطة أكثر من مائتي عام ، ولم تفقد السيطرة إلا بعد حتى آل الحكم إلى إحدى الملكات التي أصبحت فرعون – وتدعى “سكميوفريس Skemiophris” – في ظروف غامضة . ولقد امتدت سياستها وملامح حكمها إلى الأسرة التالية لها.
الملك أمنمحات الأول
بعد أن تحدثنا عن مؤسس الأسرة الثانية عشر في هذه الحلقة من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، نتحدث عن الآثار الموجودة للأسرة الثانية عشر هرم أمنمحات الأول، وتمثال حجري يدل على تطور العمارة في مصر القديمة بعصره، فضلا عن مجموعة جنائزية في اللشت، زوجته هي الملكة نفرتات جنيني، والده هو الملك سنوسرت ووالدته الملكة نفر، أما الابناء فهم: الامير سنوسرت الأول، نيفرو الثالث، نفرو-شريت، الامير كايت.
الملك سنوسرت الأول
ولا يفوتنا في هذه الحلقة من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، أن نتحدث عن أثار الملك سنوسرت الأول عبارة عن هرم سنوسرت الأول، وتماثيل حجرية المقصورة البيضاء او الهيكل الابيض في معبد الكرنك بالاقصر، معبدًا ومسلة سنوسرت الأول حجرية اشهر مسلات الفراعنة في مدينة هليوبوليس, قاعدة تمثال من الجرانيت اهم المعادن المصرية القديمة. زوجته هي الملكة نفرو الثالثة، أما والده فهو الملك أمنمحات الأول، ووالدته هي الملكة نفري تاتنن.
تاريخ الأسرة الثانية عشر
يمكننا تقسيم تاريخ الأسرة الثانية عشرة إلى فترتين :
الفترة الأولى
تبدأ من عصر الملك “أمنمحات الأول” حتى الملك “سنوسرت الثاني”، وفيها حاول المصريين القدماء توفيق أوضاع الميراث الطيبي من الحالة التي كان بها خلال فترة الانتنطق الأولى، حيث أنهم تقلدوا مهمة استمرارية الأسرة الحادية عشرة، بالرغم من أنهم أزاحوها من طريقهم ومعها الأساليب التقليدية للدولة القديمة .
ولهذا السبب ، اختيرت (اللشت) باعتبارها عاصمة إدارية قريبة من (منف)؛ حتى يمكن الانتفاع بإشعاعها الثقافي (في الفنون والعلوم الدينية)، ولكنها كانت تبعد عنها جهة الجنوب وفي مسقط مناسب بين مصر العليا والسفلى، مما جاز باحتفاظها بذاتيتها. وفي نفس الوقت الذي كان الملوك يشيدون بفكرة “طيبة المنتصرة” كانوا يشيدون الأهرام على نفس النمط الذي كان سائدا في الدولة القديمة.
وإذا كانوا قد عملوا أساسا على استقدام الصفوة الحاكمة المختارة في إقليمهم الأصلي، فقد أبقوا على الخطوط الرئيسية للتنظيم الاجتماعي الذي كان قائما في العصور القديمة، لاسيما وأن بعض العائلات الكبيرة ذات السطوة استمرت في مزاولة مهامها بنفس روح ومظاهر الفخامة التي كانت سائدة أيام الأسرة السادسة .
الفترة الثانية
وبداية من حكم الملك “سنوسرت الثاني” وقع تغير كبير في أجهزة الدولة، حيث تكونت وظائف جديدة، وطبقة جديدة وألقاب مستحدثة. وأعيد كذلك تقسيم المهام والمسئوليات الملقاة على عاتق القوى العاملة، وإدارة الإنتاج وتلاشت تقريبا طبقات الحكام على النمط القديم، وحل محلهم محافظون على مستوى المدن، وليس على مستوى الأنطقيم. الحق بهم فئة من “المراسلين” لمساعدتهم ومراقبتهم في نفس الوقت، ويتبعون الوزير مباشرة. وقسمت البلاد إلى ثلاث مقاطعات يديرها أيضا بعض المراسلين.
ولقد لاقت الأيدي العاملة عناية واهتماما فائقا وخاصة أنها لم تكن وفيرة العدد. وأنشئ ما يمكن حتى نسميه “مخط توزيع القوى البشرية” و”مخطط الخدمات الخاصة بالسجون وكانا يختصان – آنذاك – بإدارة شئون المساجين، والخاضعين للقانون العام والمحكوم عليهم بالأشغال الشاقة، والكثير من الآسيويين والمهاجرين، أو أسرى الحروب، وعمال النحت والبناء الذين يسارعون دائما بالقرار من المزارع أوالمحاجر التي كانوا يجبرون على العمل بها. أما النظام الأمني، فكان يسود بواسطة المجموعات المنظمة التي قسمت إلى فرق مختلفة : “الأتباع” و”أتباع الأمير” و”الأمناء على ندماء الأمير” و”المتقاعدون في المدينة” إلى غير ذلك.
ولا شك أن مثل هذه الإصلاحات قد ساعدت على ظهور طبقة متوسطة من قيادات أجهزة الدولة الذين يتقاضون مرتبات كبيرة تسمح لهم بامتلاك المنشآت الجنائزية المنقوشة والمزخرفة، والتي كانت حكرا على الصفوة من سادة القوم من قبل. وتعد مثل تلك التغيرات في البنية الاجتماعية التي تبلورت في الإكثار من إقامة اللوحات والتماثيل أوموائد القرابين المتوسطة الجودة – من أبرز معالم النصف الثاني- للأسرة الثانية عشر.
وقد ساعدت هذه الأسرة بوجه عام على توسيع رقعة الحضارة الفرعونية، عن طريق استثمار منطقة (الفيوم) التي كانت تمتلئ من قبل بالأحراش والمستنقعات. بل أكثر من ذلك، عن طريق صياغة سياسة خارجية فعالة ترتكز على فهم البلاد المجاورة فهم جيدة . كما تشهد بذلك “نصوص اللعنات” حيث دون بدقة كافة أسما البلاد الأجنبية وحكامها على بعض الأواني والتماثيل الصغيرة، التي كانت تعد نادمة لبعض الطقوس السحرية للعنة الأعداء.
وبشكل أكثر واقعية أدمج وادي النيل في النوبة السفلى من مصر، بفضل مجموعة ضخمة من القلاع. وفي آسيا توطدت العلاقات التقليدية مع مدينة جبيل للدرجة التي ساعدت على تكوين أسر من الحكام المتمصرين إلى أبعد مدى. وبصفة عامة تم تعزيز النشاط التجاري مع سوريا وفلسطين، ومن خلالهما مع شعوب بحر إيجه. وفي نفس الوقت هاجر الكثير من الآسيويين إلى مصر. ولا شك حتى سيرة “سنوهي Sinohe: تعكس ذلك تماما، إذ تدور أحداثها الرئيسية في ذلك العالم الآسيوي الذي انفتحت عليه مصر .
وليس من باب المصادفة حتى هذه الرائعة من الأدب المصري القديم، اتخذت من حكم الملك سنوسرت الأول إطارا لها . ولا شك حتى أروع إرث وأعظم ما هجرته هذه الأسرة للحضارة المصرية، هو جميع تلك الأساطير والحكايات مثل (سيرة سنوهي وسيرة الملاح الغريق) وهذه التنبؤات (مثل نبوءة نفرتي Neferty) وتلك الحكم مثل (تعاليم الملك أمنمحات الأول، ونصائح خيتي، وتعاليم الولاء، ونصائح رجل غلى ابنه) وكذلك الأشعار مثل (قصيدة النيل) . وقد استمرت هذه الآداب كأعمال كلاسيكية حتى نهاية الأسرات.
كتبت: مروة مصطفى