الأسرة المصرية الثالثة.. زوسر أشهر ملوكها
لمن يتابعنا للمرة الأولى، نعرفكم بهذه السلسلة من المقالات التي تتحدث عن الحضارة المصرية، وتناولنا العديد من تفاصيلها واليوم موعدنا مع الأسرة المصرية الثالثة.
فتحدثنا منذ البداية أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة وننزل إلى الأعماق.
وعرفنا معنى كلمة مصر وسبب تسميتها ومعنى المصطلحات المصرية القديمة، وكيف قرر المصري القديم أن ينشأ امبراطورية حقيقية تديرها حكومة مركزية، وأن يأسس جيشا قويا يردع بقوته كل طامع وغاصب.
كما تحدثنا عن الأسرة الأولى والثانية وعرفنا ملوكها وملكاتها، وتحدثنا عن الملك مينا أو نعرمر، واليوم نستكمل معكم هذه الحلقات من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة.
الأسرة المصرية الثالثة
ما دمنا تكلمنا عن الأسرات، وتناولنا أهم ما يميز الأسرة الأولى والثانية، سنتناول بالتبعية الأسرة الثالثة ونتعرف أكثر عليها بأسلوب بسيط بمعلومات يسهل على الجميع حفظها في الذاكرة.
استكمالا للمعلومات عن الأسر من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، تبدأ الدولة القديمة مع بداية الأسرة الثالثة، ولكن من حيث تسلسل الأحداث البحتة تجد أن الانتقال من الأسرة الثانية إلى الأسرة الثالثة تم دون حدوث أي انفصال أو انقطاع.
فنجد أن أول ملوكها يقيم تمثالا لسلفه، زيادة على أننا نجد أن الملكة “ني ماعت حابي Nymaathapy” التي كان يطلق عليها لقب “أم الأولاد الملكيين”، خلال حكم “خعسخمري (الأسرة الثانية)، صارت توصف “بأم الملك” أثناء حكم الملك زوسر. مما يوحي بوجود روابط عائلية تجمع بين الأسرتين.
مكث حكم «خع سخموي» ١٥ سنة على أقل تقدير، ثم خلفه على العرش في منف الملك «نترخت-زوسر» ومن المحتمل جدًّا أنه كان أخاه الأصغر لا ابنه، ويعد المؤسس للأسرة الثالثة، وقد دام حكمه نحو ٢٩ سنة، وكان من أهم ملوك هذا العصر السحيق،.
الملك زوسر
قام الملك زوسر أول ملوك الأسرة الثالثة، ببناء هرمه المدرج في سقارة، حيث رغب في بناء مقبرة على شكل مصطبة على نسق أسلافه ملوك الأسرتين الأولى والثانية، إلا أن تلك المصاطب ازدادت لتصل إلى نحو خمس مصاطب الواحدة فوق الأخرى لتكون أول هرم مدرج حجري في تاريخ البلاد.
ويعرف الآن بالهرم المدرج، والمهندس الذي وضع تصميم هذا البناء الغريب الذي يعتبر أضخم بناء من الحجر في عصره في وادي النيل هو «أمحوتب» الذي كان زيادة على نبوغه في الهندسة ملمًّا بعلم الطب وراسخ القدم في الإدارة.
وتعد أول أسرات المملكة القديمة، التي ظهرت خلالها بدايات الحضارة المصرية القديمة، حيث انتقلت العاصمة إلى مدينة منف نهائياً، بدأت بتولي الملك زوسر العرش بعد سلفه الملك خع سخموي آخر الملوك شهرة عظيمة في عصره وما بعده.
حتى إنه اعتبر كإله للطب، وقد بقي اسمه مخلدًا حتى عصر اليونان، ولكنه حُرِّف إلى «أموتس» ومثلوه بحكيمهم المشهور «أسكليبوس».الأسرة الثانية. وتذكر كل من بردية تورين وقائمة أبيدوس للملوك وجود خمس ملوك للأسرة الثالثة، في حين تذكر قائمة سقارة للملوك وجود أربعة ملوك فقط.
ذكرت قائمة واحدة منهما بصفته ملكًا للوجه القبلي، وكانت على شكل مصطبة ضخمة من اللَّبِن مجهزة بمنحدر عميق وتتبعها عدة حجرات تحت الأرض، وهي واقعة في شمال «العرابة» المدفونة في بيت خلاف.
أما المقبرة الثانية فقد شيدت له باعتباره ملكًا للوجه البحري، وهي واقعة على الهضبة التي فيها جبانة «منف» وهي المعروفة الآن بسقارة، وهذه المقبرة تعد أقدم هرم عرف إلى الآن في التاريخ، ويقول بعض علماء الآثار: إن هذا البناء هو الحلقة المتوسطة.
تمثال الملك زوسر
وقد عثر أخيرًا على تمثال جميل للملك زوسر سردابه، وكذلك كشف عن عدة مبان له وبخاصة معبده الجنازي ومقبرتي ابنتيه، وهذه المباني تضع المهندس الذي وضع تصميمها في أعلى مرتبة من الشرف والعلم، وكذلك تشهد للعمال الذين كانوا يقومون بتنفيذها بالمهارة.
والواقع أننا أمام هذه المباني نشاهد أول خطوة انتقال في تاريخ فن المعمار في تعميم البناء بالأحجار في وادي النيل؛ إذ نرى عمدها مضلعة تشبه العمد الدوريكية في الفن الإغريقي ومزخرفة بزخرف نباتي.
ولكننا نشك في أن روح تلك المباني الحجرية منقولة بذاتها عن المباني التي أقيمت بالخشب واللَّبِن في عهد الأسرتين الأولى والثانية، وسنرى الكثير من المعجزات في هذه الحلقات من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة.
وهذا المعمار الذي يعتبر كأنه نوع من النجارة الدقيقة هو الحد الفاصل بين البناء الأولي باللَّبِن والبناء بالأحجار الضخمة التي ساد استعمالها وبلغت قمتها في الأسرة الرابعة في بناء الأهرام والمصاطب، وقد أرسل «زوسر» حملات إلى المحاجر والمناجم في شبه جزيرة سينا لإحضار النحاس والفيروز.
ويعد «زوسر» أول ملك توغل في نوبيا السفلى فيما وراء الشلال إلى المحرقة في منتصف الطريق إلى الشلال الثاني، وهو الذي ينسب إليه اليونان فتح الإقليم المعروف باسم «دوديكاشين» أي المنطقة التي يبلغ طولها نحو ١٤٣ كيلومترًا من الفنتين فصاعدًا.
الملك سانخت
وقد خلف «زوسر» بعض ملوك لا يزال تاريخهم غامضًا أولهم سانخت وكل ما نعرفه عن «سانخت»، أنه بنى لنفسه مقبرة في بيت خلاف بالقرب من مقبرة «زوسر». ولم يعثر له على مقبرة أخرى في سقارة كما كان المنتظر، والظاهر أن هذا الفرعون حكم كل مصر؛ إذ وجدنا اسمه منقوشًا على صخور وادي مغارة في شبه جزيرة سينا.
الملك حابا
وتولى العرش بعده ملك يدعى «حابا» ثم الفرعون «نفركا»، ولا نعرف عنهما شيئًا. أما آخر ملوك هذه الأسرة فهو الملك «حو» ويدعى «حوني» أيضًا ومعناه «الضارب».
وقد أقام لنفسه هرمًا في دهشور في جنوب سقارة، وهو الحلقة الموصلة بين الهرم المدرج والهرم الكامل، وقد جاء ذكره في ورقة عثر عليها من عهد الدولة الوسطى تنص على أن «حوني» هو السلف المباشر للملك «سنفرو» مؤسس الأسرة الرابعة.
في المرة القادمة سنتحدث عن الأسرة الرابعة، ونتناول حياتها وأهم ما يميزها في غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة.
كتبت: مروة مصطفى