الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها.. الحكومة والبيروقراطية
الحضارة المصرية القديمة
لمن يتابعنا للمرة الأولى، نلقي الضوء على ومضات تاريخية حول الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها، لنعرف الجيل الجديد ونذكر بقية الأجيال بها ونفتش عن كنوزها.
منذ بداية العالم وضُخ دم البشرية في عروق الحياة، خرجت للدنيا حضارة تعد عالما قائما بذاته، غيرت مجرى التاريخ ورسمت ملامح عظمتها على وجه الزمن، وكنا وما زلنا وسنظل نفخر بها حتى النهاية، ودائما نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة ونفتش عن الحضارة المصرية ونسرد ومضات تاريخية عن تاريخ الاسر المصرية القديمة.
فتحدثنا عن ومضات تاريخية للحضارة المصرية منذ البداية أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن ننزل إلى الأعماق.
وعرفنا معنى كلمة مصر وسبب تسميتها ومعنى المصطلحات المصرية القديمة، وكيف قرر المصري القديم أن ينشأ امبراطورية حقيقية تديرها حكومة مركزية، وأن يأسس جيشًا قويًا يردع بقوته كل طامع وغاصب.
كما تحدثنا عن تفاصيل الأسر المصرية حتى العصر الروماني و نستكمل اليوم الحديث ونلقي الضوء على ومضات تاريخية عن الإمبراطورية البيزنطية.
في سلسلة المقالات السابقة وهذه المقالات من ومضات تاريخية مضيئة حول الأسر المصرية وكما اتفقنا في السابق سنطلق على الملوك المصريين لقب الملوك لكن غير المصريين سنلقبهم بالفراعنة ما عدا السهو والخطأ
نستكمل معا تاريخ الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها بعد الانتهاء من العصر الروماني. وقبل الحديث عن هذا العصر الذاخر بالأحداث والتقلبات وجب علينا التنوية أننا سنتناول الحديث عنه في حلقات متعددة، وذلك لتعثر الحديث عنه في مقال واحد.
الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها
سر تسمية الإمبراطورية البيزنطية
نستهل هذه السطور من حلقة اليوم من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، ونتحدث عن سر تسمية الإمبراطورية بالبيزنطية في أوروبا الغربية في عام 1557 عندما نشر المؤرخ الألماني هيرونيموس فولف كتابه كوربوس هستوريا بيزنتيا، وهو مجموعة من المصادر التاريخية.
يأتي المصطلح من بيزنطة وهو اسم القسطنطينية قبل أن تصبح عاصمة قسطنطين العظيم. نادرًا ما استخدم هذا الاسم من تلك الفترة فصاعدًا إلا في السياقات التاريخية أو الشعرية.
أشاع نشر بيزنتين دو لوفر (كوربوس سكريبتوروم هستوريا بيزنتيا) عام 1648 ونشر شارل دو كانج كتابه هستوريا بيزنتينا استخدام مفردة بيزنطي بين المؤلفين الفرنسيين مثل مونتسكيو.
اختفى المصطلح حتى القرن التاسع عشر عندما استخدم على نطاق واسع في العالم الغربي. قبل هذا الوقت كانت تستخدم تسمية اليونانية للدلالة على الإمبراطورية وأحفادها في إطار الدولة العثمانية.
عُرفت الإمبراطورية البيزنطية لسكانها باسم الإمبراطورية الرومانية أو إمبراطورية الرومان (باللاتينية: Imperium Romanum أو Imperium Romanorum) (باليونانية: Βασιλεία τῶν Ῥωμαίων أو Ἀρχὴ τῶν Ῥωμαίων) أو رومانيا(2) (باللاتينية: Romania) (باليونانية: Ῥωμανία) أو الجمهورية الرومانية (باللاتينية: Res Publica Romana) (باليونانية: Πολιτεία τῶν Ῥωμαίων) أو غريكيا (باليونانية: Γραικία) وأيضًا رومايس (باليونانية: Ῥωμαΐς).
مع أن سكان الإمبراطورية البيزنطية كانوا متعددي الأعراق خلال معظم تاريخها، إلا أنها حافظت على التقاليد الرومانية الهيلينستية، وعرفها معاصروها الغربيون والشماليون بعنصرها اليوناني السائد.
استُخدم أحيانًا لقب إمبراطورية اليونان (باللاتينية: Imperium Graecorum) في الغرب للإشارة إلى الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وسُمِّيَ الإمبراطور البيزنطي إمبراطور اليونان (باللاتينية: Imperator Graecorum) وذلك لتمييزها عن الإمبراطورية الرومانية المقدسة في الغرب، والتي ادعت أنها استمرار للإمبراطورية الرومانية القديمة.
خضعت سلطة الإمبراطور البيزنطي كوريث شرعي للإمبراطور الروماني للتحدي عندما توّج البابا ليون الثالث شارلمان إمبراطورًا رومانيًا مقدسًا في العام 800. إذ احتاج البابا ليون الثالث لدعم شارلمان في نزاعه ضد أعدائه في روما، فاستغل ليون غياب وريث ذكر لعرش روما حينها ليعلن شغوره وذلك مكنه من تتويج إمبراطور جديد بنفسه.
عندما كان الباباوات أو حكام الغرب يشيرون للأباطرة الرومان الشرقيين فإنهم يستخدمون إمبراطور رومانيا (باللاتينية: Imperator Romaniæ) بدلًا من إمبراطور الرومان (باللاتينية: Imperator Romanorum) وهو اللقب الذي احتفظ به شارلمان وخلفاؤه.
لم يوجد مثل هذا التمييز في العوالم الإسلامية والفارسية والسلافية، فقد اعتُبرت الإمبراطورية استمرارًا للإمبراطورية الرومانية. في العالم الإسلامي أطلق عليهم اسم الروم. وقد اتّخذت تسمية «الروم» أيضًا الطوائف المسيحية الشرقية التي تتبع الطقس البيزنطي.
في الأدبيات التاريخية الحديثة عادة ما تسمى الإمبراطورية بالإمبراطورية الرومانية الشرقية في سياق الفترة 395-610، أي قبل عهد الإمبراطور هرقل الذي غير اللغة الرسمية من اللاتينية إلى اللغة اليونانية (وهي لغة أغلبية السكان). في السياقات بعد عام 610 يستخدم مصطلح الإمبراطورية البيزنطية بصورة أكبر.
نظام الحكم والإداره: الحكومة والبيروقراطية
كان الإمبراطور هو الحاكم الوحيد والمطلق في الدولة البيزنطية، وكان يُنظر إلى سلطته على أنها ذات أصل إلهي. منذ عهد جستنيان الأول (حكم 527-565) اعتُبرَ الإمبراطور «القانون الحي». لم يكن مجلس الشيوخ البيزنطي يتمتع بسلطة سياسية وتشريعية حقيقية وظل مجلسًا رمزيًا وأعضاؤه فخريون.
بحلول نهاية القرن الثامن تشكلت إدارة مدنية ترتكز على البلاط الإمبراطوري كجزء من توطيد واسع النطاق للسلطة في العاصمة. يُعدّ إنشاء البنود الذي بدأ ربما في منتصف القرن السابع أهم إصلاح إداري -حيث مارس قائد يُدعى الإستراتيجوس- الإدارة المدنية والعسكرية في آنٍ واحد.
ويبدو أن البيروقراطية ملتصقة بالنظام الحاكم في مصر منذ فجر الخليقة، وهنا نلقي الضوء عليها في هذه الحلقة من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة
مع أن مصطلحي «بيزنطي» و«البيزنطية» استُخدما بطريقة مهينة في بعض الأحيان إلا أنه كان لدى البيروقراطية البيزنطية قدرة مميزة على التكيف مع الأوضاع المتغيرة للإمبراطورية. أعطى النظام المفصل للألقاب والأسبقيات هيبةً للبلاط الإمبراطوري.
رُتّب المسؤولون ترتيبًا صارمًا حول الإمبراطور واعتمدوا على الإرادة الإمبراطورية في رتبهم. كانت هناك أيضًا وظائف إدارية فعلية، ولكن كانت السلطة تُسند للأفراد بدلاً من المكاتب.
في القرنين الثامن والتاسع شكلت الخدمة المدنية أوضح طريق للوصول إلى الطبقة الأرستقراطية، ولكن ابتداءً من القرن التاسع كانت الأرستقراطية المدنية تنافسها طبقة أرستقراطية من النبلاء.
وفقًا لبعض الدراسات عن الحكومة البيزنطية هيمنت سياسات القرن الحادي عشر على المنافسة بين الطبقة الأرستقراطية المدنية والعسكرية. خلال هذه الفترة أجرى ألكسيوس الأول (حكم 1081-1118) إصلاحات إدارية مهمة، بما في ذلك إنشاء مكاتب ومراتب جديدة.
قوانين الزواج
كان الزواج يجري بطريقة منهجية تقريبًا بين أعضاء الطبقة الأرستقراطية البيزنطية العليا من أجل كسب تأييد عشائر النبلاء الرئيسية. لم يحدث أي زواج بين أفراد العائلة الإمبراطورية والأجانب إلا في ظروف استثنائية لتأمين تحالف شعب ما في حالة الضرورة القصوى. عُمّمت هذه الحقيقة منذ عهد باسيل الثاني.
شاركت الإمبراطورات في الاحتفالات الإمبراطورية ولكن لم تكن لهن سيطرة مباشرة على السلطة، إلا بواسطة تأثيرهن (العميق أحيانًا) على أزواجهن، مثل ثيودورا زوجة جستنيان الأول. أقامَ الإمبراطور عمومًا في قصر القسطنطينية الكبير الذي بناه قسطنطين العظيم وقد توسع القصر باستمرار ليشكل بناءً واسعًا غير متجانس.
كان موقعه بالقرب من آيا صوفيا والهيبودروم حيث تواصل الإمبراطور مباشرةً مع الناس. كان مدخل القصر بوابةً ضخمةً برونزيّة، ومن بين أجزاء القصر المهمة كانت قاعة ماجنورا التي استُخدمت لاستقبال السفراء الأجانب بالإضافة لكونها مقر مجلس الشيوخ، ومركزًا تعليميًا هامًا، وقصر دافني، وغرفة الطعام الخاصة تريكلينيوم، والقصر المقدس حيث يقيم الإمبراطور.
علاوة على قاعة كريسوتريكلينوس الرئيسية المخصصة للاستقبال والاحتفالات، والغرفة التي تلد فيها الإمبراطورات والتي جاء منها لقب «الولادة في الأرجوانية» الذي أُعطيَ للورثة الشرعيين.
كان الإمبراطور رمزًا قويًا للسلطة واتّضح ذلك من المنافسة الشديدة والعنيفة على هذا المنصب. كان البلاط الإمبراطوري تجسيدًا لمبدأ أن الإمبراطور ممثل للّه على الأرض. وكان من الضروري التذكير دائمًا بالطابع الإلهي لقوة الإمبراطور. نُظّمت المراسم والاحتفالات الإمبراطورية بدقّة وأُحيطت السلطة الإمبراطورية بغموض يعزز جلالتها وشرعيتها.
قال قسطنطين السابع في كتابه المراسيم إن حياة البلاط الإمبراطوري تعكس «الحركة المتناغمة التي يمنحها الخالق لهذا الكون بأكمله». نادرًا ما ظهرَ الإمبراطور نفسه، وعندما يظهر يكون محاطًا بجوٍّ من الفخامة والأبّهة.
عندما يعلن قراراته تأخذ المراسيم اسم “silentia” الذي يعني «الصمت»، ولم يكن الإمبراطور يتحدث مباشرةً وإنما بواسطة الإشارات أو عبر مترجمين. كان يجب على من يقابل الإمبراطور أن يؤدي طقوسًا معينة فارسيّة الأصل تتضمن السجود عند قدميه. وكان اللون الأرجواني الذي يرتديه الإمبراطور مقدسًا، وكانت هناك عبادة حقيقية للقوة الممنوحة لشخص الإمبراطور.
إلى هنا نصل وإياكم إلى نهاية مقالتنا اليوم من ومضات تاريخية حول الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها على وعد بلقاء الأسبوع القادم. دمتم في أمان الله.
كتبت: مروة مصطفى