الحضارة المصريةحكايات

الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها.. تاريخ البطريركيات الخمسة

لمن يتابعنا للمرة الأولى، نلقي الضوء على ومضات تاريخية حول الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها، لنعرف الجيل الجديد ونذكر بقية الأجيال بتاريخ حضارتنا العريقة.

منذ بداية العالم وضُخ دم البشرية في عروق الحياة، خرجت للدنيا حضارة تعد عالما قائما بذاته، غيرت مجرى التاريخ ورسمت ملامح عظمتها على وجه الزمن، وكنا وما زلنا وسنظل نفخر بها حتى النهاية، ودائما نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة ونفتش عن الحضارة المصرية ونسرد ومضات تاريخية عن تاريخ الاسر المصرية القديمة.

فتحدثنا عن ومضات تاريخية للحضارة المصرية منذ البداية أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن ننزل إلى الأعماق.

وعرفنا معنى كلمة مصر وسبب تسميتها ومعنى المصطلحات المصرية القديمة، وكيف قرر المصري القديم أن ينشأ امبراطورية حقيقية تديرها حكومة مركزية، وأن يأسس جيشًا قويًا يردع بقوته كل طامع وغاصب.

كما تحدثنا عن تفاصيل الأسر المصرية حتى العصر الروماني و نستكمل اليوم الحديث ونلقي الضوء على ومضات تاريخية عن الإمبراطورية البيزنطية.

في سلسلة المقالات السابقة وهذه المقالات من ومضات تاريخية مضيئة حول الأسر المصرية وكما اتفقنا في السابق سنطلق على الملوك المصريين لقب الملوك لكن غير المصريين سنلقبهم بالفراعنة ما عدا السهو والخطأ

نستكمل معا تاريخ الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها بعد الانتهاء من العصر الروماني. وقبل الحديث عن هذا العصر الذاخر بالأحداث والتقلبات وجب علينا التنوية أننا سنتناول الحديث عنه في حلقات متعددة، وذلك لتعثر الحديث عنه في مقال واحد.

ومضات تاريخية

الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها

الدين الرسمي للإمبراطورية البيزنطية

نستكمل الحديث عن الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها، حيث كانت الإمبراطورية البيزنطية مسيحية منذ أن جعل ثيودوسيوس الأول المسيحية دين الدولة عام 391.

كانت المسيحية أحد أكثر العناصر التي ميّزتها عن الإمبراطورية الرومانية القديمة. تشكّلت نظرة شمولية حول تحالف الإمبراطور مع الكنيسة المسيحية لتأسيس إمبراطورية يرتبط مصيرها بمصير الكنيسة والعكس صحيح. كانت بيزنطة طوال تاريخها مركزًا روحيًا قويًا حتى عندما ضعفت قوة الدولة بمرور الزمن.

وكانت القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية ومقر البطريركية المسكونية إحدى السلطات الرئيسية في العالم المسيحي. غطت الإمبراطورية البيزنطية خلال القرون الأولى من وجودها أربعة من البطريركيات المسيحية الخمسة، بل وحتى خمسة حينما استعاد جستنيان الأول روما.

لذلك كانت المركز المهيمن للمسيحية وساهمت بقوة في تحديد مبادئها من خلال المجامع المختلفة المنظمة على أراضيها، لكن دون تمكّنها من تجنب الانقسامات مثلما اتّضح من تأسيس المذهب الميافيزي (الأرثوذكسي المشرقي) في مقاطعاتها الشرقية.

أدى تقلّص مساحة الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها في القرن السابع إلى فقدان السيطرة على بطريركيات الإسكندرية، وأورشليم، وأنطاكية، وكذلك الكرسي البابوي في روما الذي تطلّع إلى القوى الغربية الناشئة مثل الإمبراطورية الكارولنجية.

منذ ذلك الحين شهدت الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها تدريجيًا ولادة عقيدة مسيحية معينة وهي الأرثوذكسية الشرقية، مما أدى أحيانًا إلى توترات قوية مع روما، ولا سيما فيما يتعلق بالاعتراف بأسبقية الأخيرة على باقي البطريركيات.

ارتبطت هذه المسيحية الأرثوذكسية الشرقية الناشئة ارتباطًا وثيقًا بالإمبراطورية البيزنطية وحضارتها. كان الترويج لتلك العقيدة وسيلةً للإمبراطورية لتوطيد سلطتها وتأثيرها، كما اتضح من التحويلات الدينية للشعوب السلافية التي دُمجت بطريقة ما في الفلك البيزنطي، على الأقل روحياً.

كانت هناك أسباب لاهوتية وثقافية للقطيعة التدريجية بين بيزنطة وروما والتي وصلت إلى مرحلتها الأخيرة في الانشقاق العظيم بين الشرق والغرب عام 1054.

كان الاختلاف في اللغة الليتورجية (اليونانية في القسطنطينية واللاتينية في روما) أحد الأسباب المنطقية للانقسام، بالإضافة إلى إصرار البابوية في روما وتكرارها المستمر حول أسبقيتها وسيادتها على باقي البطريركيات وهو ما أزعج القسطنطينية.

كذلك لم يكن لدى الطرفين المفهوم ذاته حول القوة الروحية (الكنيسة) والقوة الزمنية (الملوك)، فقد تحررت البابوية من الوصاية الإمبراطورية من خلال الإصلاح الغريغوري في حين بقيت الكنيسة البيزنطية مرتبطة بقوة بالإمبراطورية. شكلت مشكلة انبثاق الروح القدس عثرة لاهوتية رئيسية بين مركزيّ العالم المسيحي.

يعتبر المسيحيون الأرثوذكس أن الروح القدس انبثق فقط من الآب بينما ترى روما أنه انبثق من الآب والابن معًا. وإضافةً لهذا الجدل اللاهوتي كان ثمّة فجوةٌ ثقافيةٌ متزايدةٌ شكلتها اختلافات كبيرة في الممارسات والطقوس مثل موضوع زواج الكهنة.

علاوةً على ذلك استُخدمت هذه الخلافات جزئيًا في سياق الحملات الصليبية حيث أدّت الاختلافات في الأهداف بين الصليبيين والبيزنطيين إلى زيادة العداء. أدت سيطرة الصليبيين على القسطنطينية ونهبها عام 1204 واعتبارهم البيزنطيين أعداءً لله إلى تمزيقٍ أكثرَ للمسيحية.

الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها

الأباطرة البيزنطيون

أطلق الأباطرة البيزنطيون في المراحل الأخيرة للدولة محاولاتٍ فاشلةً لتأسيس اتحادٍ للكنائس المسيحية يخضع لمنطق سياسي، فقد حاولوا استرضاء الغرب كي يبذل العونَ ويساعد الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها في محنتها. وفي هذا الصدد كانت القطيعة التدريجية بين الكنيسة والدولة إحدى السمات البارزة للفترة الأخيرة للإمبراطورية.

إذ ما إن تتشابك اهتماماتهم بطريقةٍ وثيقةٍ حتى تعود وتتباعد أكثر فأكثر. خَبِرت الكنيسة كيف تبقى موجودة مع إمبراطورية تحتضر، واستمرت هياكلها في المناطق التي غزاها العثمانيون.

أتاح المذهب الأرثوذكسي للإمبراطورية البيزنطية أن توسع مناطق نفوذها أتاح المذهب الأرثوذكسي للإمبراطورية البيزنطية أن توسع مناطق نفوذها نتيجة انتشاره خارج حدودها، وقد ضمن أخيرًا وسيلةً لبقاء الكنيسة عند اختفاء القوة الإمبراطورية. أصبحت صربيا وروسيا مركزين مؤثرين للأرثوذكسية الشرقية.

وقد كرّس تعيين محمد الفاتح لغيناديوس سكولاريوس بطريركًا على القسطنطينية ذلك المصير المتمايز للكنيسة البيزنطية باعتباره أول من يشغل هذا المنصب في العصر العثماني. ولقد كانت الكنيسة البيرنطية، كما يؤكد جان ميندورف العنصر الأكثر استقرارًا من نواحٍ عديدة في الإمبراطورية.

أقرّ جستينيان الأول نظام البطريركيات الخمس، وبموجبه تحكم الكنيسةَ المسيحيةَ خمسةُ كراسٍ أسقفية، هي بالترتيب: روما، القسطنطينية، الإسكندرية، أنطاكية، أورشليم.

استبعدَ هذا النظام الكنائس التي كانت خارج حدود الإمبراطورية مثل كنيسة المشرق، وأيضًا الكنيستين اللاخلقيدونيتين المُطالبتين بكرسيي أنطاكية والإسكندرية، وهما الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، واعتبرهما غير شرعيتين.

عكسَ ذلك النظام الأهمية السياسية والكنسية للبطريركيات الخمس، لكن بابوات روما قابلوه بالرفض وأرادوا أن تتمحور الكنيسة كلها حول روما، بينما أرادت السلطة البيزنطية أن تتمتع روما بأولوية رمزية فقط، وساهم ذلك الخلاف في الانشقاق العظيم.

لاحقاً فقدَ النظام الخماسي أهميته العملية بفعل الصراع بين القسطنطينية وروما، والفتوحات الإسلامية التي طالت أراضي بطريركيات الإسكندرية وأنطاكية وأوروشليم وظهور بطريركيات منافسة في الشرق مثل روسيا وصربيا.

البطريركيات الخمسة

عندما سيطرت الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها على البطريركيات الخمسة كان مفهوم «حكومة الكنيسة» هو السائد. مثّل المسيح رأس الكنيسة الذي يرتكز على الآباء الخمس، وهُم البطاركة الذين يضمنون مع بعضهم الهيكلة المسيحية الروحانية.

بعد ذلك لعبت المجامع الكنسيّة دورًا أساسيًا في تعريف شرائع للعقيدة المسيحية، وإدانة «الهرطقات» المخالفة لعقيدة الدولة مثل الآريوسية أو المونوفيزية. عُقد المجمع المسكوني الأخير الذي تعترف به الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية عام 787 في نيقية.

في ذلك الوقت كانت الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها قد فقدت السيطرة على باقي البطريركيات، لذلك وبسبب بُعد البطريركيات الشرقية الخاضعة للحكم الإسلامي، والتنافس المتزايد مع روما، فإن السينودس الدائم في القسطنطينية هو الذي ضمن حكم الكنيسة.

جمع السينودس بين البطريرك ورجال الدين الرئيسيين في كنيسة آيا صوفيا والمطارنة الحاضرين في العاصمة، بالإضافة إلى ممثلي الإمبراطور عندما لا يكون حاضرًا شخصيًا. حدد السينودس عقيدة الكنيسة، وفصلَ في الخلافات، وعيّن الأساقفة الذين قادوا المناطق الكنسية وكانوا من الكهنة، لكن عندما لم يكن عددهم كافيًا فإن الرهبان هم الذين ضمنوا وجودًا دينيًا في تلك المناطق.

الرهبنة والحياة الروحية

إلى جانب رجال الدين العاديين تعتبر الرهبنة جانبًا أساسيًا من جوانب الحياة الروحية البيزنطية. ظهرت الرهبنة المسيحية في أراضي الإمبراطورية وخاصةً في مصر وبلاد الشام، وبرز عدد من الرهبان مثل باخوم وأنطونيوس الكبير وباسيليوس قيصرية ومارون.

مثّلت الحياة الرهبانية من نواحٍ عديدة نموذجًا لوجود يتجه بالكامل نحو الدين، وجسّد نبْذًا للعالم الدنيوي وعدم ثقة بالخطايا المتأصلة في الحياة الأرضية التي تبعد الناس عن الله.

أنشأ العديد من الأباطرة وكذلك الشخصيات البارزة الأديرة ودعموها لتأكيد إيمانهم. كان هناك مفهومان للرهبنة: الناسك، وراهب الدير. أما «الناسك» فيتوجه نحو حياة العزلة والتأمل، ويُعدّ أكثر أشكال الرهبنة نجاحًا، مع أنه شكّل أقلية قبل أن يحظى بنهضة مع تطور الصوفية المسيحية الأرثوذكسية في القرن الرابع عشر.

أما «راهب الدير» فتقوم حياته الدينية على العيش مع مجتمع من المؤمنين في الأديرة، وانتشر رهبان الأديرة في الأراضي البيزنطية وتركزوا أحيانًا في أماكنَ معينةٍ مثل جمهورية جبل آثوس الرهبانية، وهي قطاع ديني أرثوذكسي شرقي يتمتع بحكم ذاتي في جبل آثوس يستضيف مجتمعات رهبانية من جميع أنحاء العالم الأرثوذكسي.

وبما أن الرهبنة قامت على طريقة حياة بسيطة قريبة أحيانًا من الفقر المدقع، فإن انتصار مؤيدي الأيقونات في حرب الأيقونات البيزنطية أدّى إلى تدفق الثروة على الأديرة التي حوت أيقونات.

واستدعت صعوبات إدارة هذه الثروات تساؤلًا عن المثالية الرهبانية وأدّت إلى ردود فعل -مثل الإصلاح الذي قام به ثيودور ستوديت في القرن التاسع- بينما حرصَ الأباطرة على التحكم في النمو الكبير للعقارات الرهبانية.

على عكس العالم المسيحي الغربي -الذي شهد ظهور رهبانيات كبيرة- تمتعت الأديرة البيزنطية باستقلالية نسبية، وحُكم كل منها بـتيبيكون وهو نظام داخلي يضمن تطبيقه قمص.

سامبسون في القسطنطينية، وباسيل أسقف قيصرية في تركيا المعاصرة. بنى باسيل مدينة دعيت «باسيلاس»، وهي مدينة شملت مساكن للأطباء والممرضين ومبانٍ منفصلة لفئات مختلفة من المرضى.

كان هناك قسم منفصل لمرضى الجذام. حوت بعض المشافي على مكتبات وبرامج تدريب، وجمع الأطباء دراستهم الطبية والدوائية في مخطوطات حُفظت في مكتباتها، لذا ظهرت الرعاية الطبية للمرضى في معنى ما نعتبره اليوم المستشفى،

وقادتها الكنيسة الأرثوذكسية والاختراعات والابتكارات البيزنطية وأعمال الرحمة المسيحية. وساهم مسيحيو الشرق خصوصاً اليعاقبة والنساطرة أتباع كنيسة المشرق في الحضارة العربية الإسلامية خلال الفترة الأموية والعباسية من خلال ترجمة أعمال الفلاسفة اليونانيين والطب والعلوم اليونانية إلى اللغة السريانية وبعد ذلك إلى اللغة العربية. وساهم المؤلفون اليعاقبة والنساطرة في نهضة التأليف والترجمة تحت مظلة بيت الحكمة.

الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها

تُعدّ الحنية الكرويَّة -وهي تحدبٌ على شكل قطاعٍ من سطحٍ كروي يُبنى أعلى العمود عند نقاط اتصال الأعمدة بالقبة وظيفته نقل حمولة القبة إلى الأعمدة ودعم القبّة- اختراعاً بيزنطياً.

مع أن التجربة الأولى أُجريت في القرن العشرين، إلا أنها استخدمت بكامل إمكاناتها في القرن السادس في الإمبراطورية البيزنطية. واستخدمت لأول مرةٍ في هيكل بناء آيا صوفيا.

عثرت أعمال التنقيب على جهاز مزولة ميكانيكي يتكون من تروس معقدة صنعها البيزنطيون مما يشير إلى أن آلية أنتيكيثيرا -وهي نوع من الأجهزة التناظرية المستخدمة في علم الفلك والتي اختُرعت في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد- قد أُعيدَ استخدامها في الفترة البيزنطية. كتب العالم جيمس ريديك بارتينجتونك:

كانت القسطنطينية مليئة بالمخترعين والحرفيين. صنع الفيلسوف ليو من ثيسالونيكا شجرةً ذهبيةً للإمبراطور ثيوفيلوس (829-842) تحمل أغصانها طيورًا اصطناعية ترفرف بجناحيها وترنّم، وأسدًا نموذجيًا يتحرك ويزأر، وسيدة مرصعة بالجواهر كانت تمشي. تابعت هذه الألعاب الميكانيكية التقليد المتمثل في أطروحة هيرو السكندري (حوالي 125 م)، والتي كانت معروفة جيدًا للبيزنطيين

يُنسب إلى ليو عالم الرياضيات أيضًا نظام المنارات، وهو نوع من التلغراف البصري يمتد عبر الأناضول من قيليقية إلى القسطنطينية، والذي أمّن تحذيرًا من غارات العدو، واستُخدم أيضاً للتواصل الدبلوماسي.

وصلت هذه الأجهزة الميكانيكية إلى مستوى عالٍ من التطور وصُنعت لإبهار الزائرين. عرف البيزنطيون مفهوم الهيدروليكا واستخدموه: في العقد الأول من القرن العاشر أوضح الدبلوماسي ليوتبراند الكريموني عند زيارته للإمبراطور البيزنطي أنه رأى الإمبراطور جالسًا على عرش هيدروليكي «صُنع بطريقة ماكرة بحيث كان في لحظةٍ ما على الأرض، بينما في لحظةٍ أخرى ارتفع إلى أعلى وشوهد في الهواء».

يُعتبر اليوناني البيزنطي يوحنا النحوي (بالتقريب 490-570) -عالم الفقه واللغة الإسكندري، والمعلق الأرسطي، وعالم اللاهوت المسيحي، ومؤلف عدد كبير من الأطروحات الفلسفية والأعمال اللاهوتية- أول من شكك في تعليم أرسطو للفيزياء مع عيوبه العديدة.

على عكس أرسطو الذي أسس فيزياءه على الحجة اللفظية، اعتمد يوحنا النحوي على الملاحظة. كتب يوحنا النحوي في كتابه شروح على أرسطو:

لكن هذا خاطئ تمامًا، وقد تُدعم وجهة نظرنا بواسطة الملاحظة بطريقة أكثر فاعلية من أي نوع من الحجة اللفظية. لأنك إذا تركتَ وزنين يسقطان من الارتفاع نفسه، أحدهما أثقل بعدة أضعافٍ من الآخر، فسترى أن نسبة الأوقات المطلوبة للحركة لاتعتمد على نسبة الأوزان، ولكن الفرق في الوقت صغير جداً.

وهكذا إذا لم يكن الاختلاف في الأوزان كبيرًا، أي أن أحدهما -لنقل- ضعف الآخر، فلن يكون ثمة فرق، أو سيكون هناك فرق غير محسوس في الوقت، مع أن الاختلاف في الوزن ليس قدْراً مهملاً إذ يزن أحدهما ضعف وزن الآخر.

كان نقد يوحنا النحوي للمبادئ الأرسطية للفيزياء مصدر إلهام لقيام جاليليو جاليلي (1564-1642) بدحض الفيزياء الأرسطية أثناء الثورة العلمية بعد عدة قرون، استشهد جاليليو كثيرًا بأعمال يوحنا النحوي، كان البيزنطيون روادًا في مفهوم المستشفى كمؤسسة تقدم الرعاية الطبية وإمكانية العلاج للمرضى، باعتباره انعكاسًا لمُثُل العمل الخيري في المسيحية، وليس مجرد مكان للموت

وفرنسا بعد سقوط القسطنطينية تزداد وتُثمر في إيطاليا، ونتج عنها الدعوة إلى إنقاذ اليونان القديمة، وكان ذلك من بواعث النهضة الحديثة في أوروبا.

جلب المهاجرون البيزنطيون من النحاة والإنسانيين والشعراء والكتّاب والمهندسين المعماريين والأكاديميين والفنانين والفلاسفة والعلماء وعلماء الدين؛ معهم إلى أوروبا الآداب والمعارف والدراسات النحويَّة والعلميَّة اليونانية القديمة.

بحسب دائرة المعارف البريطانية «يتفق العديد من العلماء المعاصرين على أنَّ هجرة الإغريق إلى إيطاليا نتيجة لسقوط القسطنطينية كانت بمثابة نهاية العصور الوسطى وبداية عصر النهضة»، على الرغم من أن القليل من العلماء يؤرخون لبدء عصر النهضة الإيطالية في وقت متأخر.

وفقاً للمؤرخ والمستشرق وليام مونتغمري واط خلال فترة العصور الوسطى العليا، كان العالم الإسلامي في ذروته الثقافية، حيث كان يزود أوروبا بالمعلومات والأفكار والأعمال الفلسفية والعلمية عبر الأندلس وصقلية والدول الصليبية في بلاد الشام.

نأتي وإياكم إلى نهاية مقالنا اليوم من ومضات تاريخية حول الإمبراطورية البيزنطية وحضارتها، وعلى وعد بلقاء الأسبوع القادم. دمتم في أمان الله.

كتبت: مروة مصطفى

آمال أحمد

يأسرني عالم الترجمة وقضيت حياتي أحلم بأن أكون جزء من هذا العالم الساحر الذي اطلقت لنفسي فيه العنان لأرفرف بأجنحتي في سماء كل مجال، وأنقل للقارئ أفكار وأحداث من كل مكان على أرض المعمورة مع مراعاة أفكاره وعاداته وثقافته بطبيعة الحال، وفي مجال الترجمة الصحفية وجدت نفسي العاشقة للتغيير والمتوقة للإبداع والتميز.. من هنا سأعمل جاهدة على تلبية كل احتياجاتك ومساعدتك على تربية ابنائك وظهورك بالشكل الذي يليق بك ومتابعة الأخبار التي تهمك واتمنى أن أكون عند حسن ظنك.
زر الذهاب إلى الأعلى