غير مُصنف

الحضارة الغربية تغزو الدولة العثمانية.. ما هو تأثيرها؟

لمن يتابعنا للمرة الأولى، تحدثنا في سلسلة مقالات مميزة عن الحضارة المصرية من بدايتها بشكل مفصل حتى وصلنا إلى الدولة العثمانية والإنكشارية. واليوم نتحدث عن الحضارة الغربية ودورها في الدولة العثمانية.

منذ بداية العالم وضُخ دم البشرية في عروق الحياة، خرجت للدنيا حضارة تعد عالما قائما بذاته، غيرت مجرى التاريخ ورسمت ملامح عظمتها على وجه الزمن، وكنا وما زلنا وسنظل نفخر بها حتى النهاية، ودائما نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة ونفتش عن الحضارة المصرية ونسرد ومضات تاريخية عن تاريخ الاسر المصرية القديمة.

فتحدثنا عن ومضات تاريخية للحضارة المصرية منذ البداية وعرفنا يعني ايه مصر أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن ننزل إلى الأعماق.

كما تحدثنا في المقال السابق عن الانكشارية ودورهم في الدولة العثمانية، ونتحدث اليوم عن تأثير الحضارة الغربية على الدولة العثمانية.

الحضارة الغربية

انتهينا في المقال السابق عند إزدياد وضع الدولة العثمانية سوءًا خلال السنوات القليلة اللاحقة، ففي أوائل القرن الثامن عشر، وفي عهد السلطان أحمد الثالث تحديدًا، طلبت السويد دعم العثمانيين في حربها ضد الروس، لكن الأخيرة رفضت في بداية الأمر، فمالت كفة الميزان لصالح الروس الذين هزموا السويد وأرغموا ملكها على الفرار ملتجئً إلى بلاد الترك.

وعندما قررت الدولة العثمانية خوض الحرب أخيرًا، سنحت لها الفرصة أن تقضي على القيصر بطرس الأكبر، لكن الصدر الأعظم رفع الحصار عنه بعد تلقيه رشوة من خليلة القيصر كاترين. كذلك أجبر العثمانيون على توقيع معاهدة جديدة هي معاهدة «بيساروفتش».

وذلك بعد أن استنجدت البندقية بالنمسا لتجبر الأخيرة العثمانيين على إعادة جزيرة كريت إلى البندقية، واضطرت الدولة في هذه المعاهدة أن تستغني عن بلغراد، ومعظم بلاد الصرب وجزءًا من الأفلاق للنمسا، وأن تظل البندقية مسيطرة على سواحل دلماسيا، مقابل عودة بلاد مورة للعثمانيين.

استرجعت الدولة العثمانية أيضًا بعض المدن التي فقدتها سابقًا لصالح الصفويين، مثل همدان وتبريز وإقليم لورستان، لكنهم عادوا وهزموا وتنازلوا عن كل ما أخذوه من الصفويين.

الحضارة الغربية

الحرب ضد روسيا

وقامت الحرب مجددًا بين روسيا والدولة العثمانية خلال عقد الثلاينيات من القرن الثامن عشر بسبب احتلال الأخيرة لبولندا بدعم من النمسا، فاتحدت الدولة العثمانية مع الفرس واستطاعت دحر الجيش الروسي والنمساوي وثأرت لنفسها من النمسا بعد أن أرغمتها على توقيع معاهدة بلغراد التي نصت على عودة بلغراد وما استحوذت عليه النمسا من أراضي الصرب والأفلاق إلى الدولة العثمانية، وأن تلتزم روسيا بهدم قلاع مدينة آزوف، وألا تبحر أي سفينة حربية أو تجارية تابعة لها في البحر الأسود.

لكن نيران الحرب عادت لتستعر مجددًا بين الروس والعثمانيين خلال عقد السبعينيات من القرن الثامن عشر، عندما فقد العثمانيون عدة مدن لصالح الإمبراطورية الروسية، إلى جانب إقليمي الأفلاق والبغدان. وحاول الروس احتلال طرابزون ولكنهم لم يستطيعوا، ولكنهم استطاعوا لاحقًا فصل القرم عن الدولة العثمانية، وقاومت الدولة العثمانية بكل ما أتيح لها من وسائل حتى أجلت الروس عن كثير من المناطق التي احتلوها.

وعند هذه النقطة لجأت الإمبراطورية الروسية إلى أسلوب آخر لزعزعة كيان الدولة العثمانية، هو أسلوب الفتنة الداخلية، فقامت بإثارة مسيحيي المورة على العثمانيين، واتجه الأسطول الروسي إلى المورة لدعم الثورة، ولكنه مُني بالهزيمة، ولكن بعض السفن التي أفلتت تمكنت من إحراق جزء كبير من الأسطول العثماني، ثم اتجهت لاحتلال جزيرة «لمنوس»، فأجبرتها البحرية العثمانية على التقهقر، وأخمدت الثورة في المورة.

وفي 10 يونيو سنة 1772م، الموافق فيه 9 ربيع الأول سنة 1186هـ، تهادن الفريقان مقابل بعض الامتيازات لصالح روسيا لعلّ أهمها هو حقها في حماية جميع المسيحيين الأرثوذكس في الدولة العثمانية. وفي غضون الحرب العثمانية الروسية، ظهرت حركتان استقلاليتان عن الدولة العثمانية هي: حركة علي بك الكبير في مصر وحركة الشيخ ظاهر العمر في فلسطين، وقد تمكن العثمانيون من القضاء عليها.

بداية الإصلاح

ابتدأت محاولات الإصلاح الجدية في عهد السلطان سليم الثالث، الذي يُعد من أوائل المصلحين والروّاد الحقيقيين في التاريخ العثماني كله، وقد قلّده من جاء بعده، واستهدفت إصلاحاته نواحي الحياة كافة، إدارية وثقافية واقتصادية واجتماعية وعسكرية.

كانت ثقافة هذا السلطان أكثر اكتمالاً من ثقافة من سبقه من السلاطين، إذ تلقّى بعض التدريب على الأفكار الغربية، كما تلقى تعليمًا خاصًا بالطرق الأوروبية، واطّلع على كتابات المؤلفين الأوروبيين، ويبدو أنه استوعب الحالة المتدنية للدولة بشكل أفضل من أسلافه.

وعندما اعتلى هذا السلطان العرش كانت ثروات البلاد قد وصلت إلى حالة متدنية، وكان العثمانيون قد عادوا للحرب مع روسيا والنمسا، ولم يكن باستطاعة أي سلطان أن يقوم بحملة إصلاحات ورحى الحرب دائرة، لكن جاءت عناية القدر، عندما ظهرت الثورة الفرنسية وانشغل الإمبراطور النمساوي بها، وخاف أن تمتد إلى بلاده، فعقد صلحًا مع العثمانيين أعاد إليهم بموجبه بلاد الصرب وبلغراد.

واجهت السلطان سليم الثالث في بداية حياته السياسية، المشكلات التقليدية القديمة: تفوّق الغرب، والاتجاه المحافظ لشعبه، وكان بطبعه ميالاً للإصلاح بحيث لم يتردد في الأخذ ببعض الأنماط الغربية، بعد أن حصل على معلومات عن المؤسسات المدنية والعسكرية لدول أوروبا الغربية وأسباب تفوقها على العثمانيين.

فجاء بفكرة الجنود النظامية ليتخلص من الإنكشارية الذين أصبحوا منبعًا للفتن والهزائم، وأصلح الثغور وبنى القلاع الحصينة لحمايتها وجعل إنشاء السفن على الطريقة الفرنسية، واستعان بالسويد في وضع المدافع، وترجم المراجع العلمية في الرياضيات والفن العسكري، كما وضع نظامًا هرميًا للقيادة العسكرية.

كما أخضع التجنيد لقواعد أكثر صرامة، ووضع نظامًا للجنود المشاة تضمن تعليمات لمساعدة الجنود على التصرف كوحدة، ودُعي هذا النظام «بالنظام الجديد». كان من الطبيعي أن تبرز المعارضة لإصلاحات السلطان سليم الثالث العسكرية من جانب المحافظين عند إدراكهم لنتائجها.

نظر الإنكشارية إلى هذه الإصلاحات نظرة ارتياب خاصة بعد فصل السلطان الأسطول والمدفعية عن فرقتهم، فثاروا ومعهم الجنود غير النظاميين وأجبروا الخليفة على إلغاء النظام العسكري الجديد، ولم يكتفوا بذلك بل عزلوا السلطان وقاموا بقتله لاحقًا بناءً على أمر خليفته، ويُعتبر سليم الثالث السلطان العثماني الوحيد الذي قُتل بسلاح أبيض.

الحضارة الغربية

الحضارة الغربية تغزو الدولة العثمانية

سجّلت هذه المرحلة بداية اليقظة العثمانية بالانفتاح على الغرب، وبدأت ترجمة بعض المؤلفات الغربية، وسُمح بإنشاء مكتب للطباعة في العاصمة، وجرت الاستعانة بمجريّ اعتنق الإسلام، لبناء المطبعة وتشغيلها. وأخذت وجهة الإصلاح تتجه نحو الاقتباس من الغرب الأوروبي مع المحافظة على الأصول العثمانية الإسلامية.

إذ كانت الحضارة الغربية تتسرب، بشكل أو بآخر، إلى الدولة ولكن ببطء، وظهر عدد من المثقفين العلمانيين، كما وفد إلى البلاد عدد من الخبراء الأجانب الذين وضعوا خبراتهم في خدمة الدولة.

وعلى الرغم من استمرار هيمنة الإمبراطورية العثمانية مدة 600 عام، فإنها استسلمت لما وصفه معظم المؤرخين بالتراجع البطيء والطويل الأمد، وذلك على الرغم من الجهود المبذولة للتحديث.

وكان دخول السلطنة العثمانية الحرب العالمية الأولى علامة فارقة في تاريخها، وبعد خسارة الحرب بسنوات جرى توقيع معاهدة لوزان في سويسرا عام 1923، بين تركيا -وريثة الدولة العثمانية- وبين القوى المنتصرة في الحرب، والتي حددت حدود دولة تركيا الحديثة، وكانت خسارتها الحرب ذريعة للقوى الأوروبية لتقاسم غنائم السلطنة التي كانت تعرف بـ”رجل أوروبا المريض”.

وعليه، يتضح لنا أن توغل الحضارة الغربية رويدا رويدا في الدولة العثمانية كان بمثابة الضربة القاسمة وبداية النهاية لدولة دام حكمها أكثر من 6 عقود متوالية. كما أن طموحات القوى الأوروبية ساعدت في التسريع بزوال الإمبراطورية العثمانية.

نكتفي بهذا القدر من حديثنا اليوم عن تأثير الحضارة الغربية على الدولة العثمانية، وكيف أثرت في الإصلاحات ومحاولة مواكبة التطور على كل الأصعدة. على وعد بلقاء الاسبوع القادم.

كتبت: مروة مصطفي

آمال أحمد

يأسرني عالم الترجمة وقضيت حياتي أحلم بأن أكون جزء من هذا العالم الساحر الذي اطلقت لنفسي فيه العنان لأرفرف بأجنحتي في سماء كل مجال، وأنقل للقارئ أفكار وأحداث من كل مكان على أرض المعمورة مع مراعاة أفكاره وعاداته وثقافته بطبيعة الحال، وفي مجال الترجمة الصحفية وجدت نفسي العاشقة للتغيير والمتوقة للإبداع والتميز.. من هنا سأعمل جاهدة على تلبية كل احتياجاتك ومساعدتك على تربية ابنائك وظهورك بالشكل الذي يليق بك ومتابعة الأخبار التي تهمك واتمنى أن أكون عند حسن ظنك.
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!