لمن يتابعنا للمرة الأولى، نعرفكم بهذه السلسلة من مقالاتنا عن الحضارة المصرية القديمة، لنعرف الجيل الجديد ونذكر بقية الأجيال بها واليوم موعدنا مع الأسرة العشرون.
منذ بداية العالم وضُخ دم البشرية في عروق الحياة، خرجت للدنيا حضارة تعد عالما قائما بذاته، غيرت مجرى التاريخ ورسمت ملامح عظمتها على وجه الزمن، وكنا وما زلنا وسنظل نفخر بها حتى النهاية، ودائما نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة
فتحدثنا منذ البداية أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن ننزل إلى الأعماق.
وعرفنا معنى كلمة مصر وسبب تسميتها ومعنى المصطلحات المصرية القديمة، وكيف قرر المصري القديم أن ينشأ امبراطورية حقيقية تديرها حكومة مركزية، وأن يأسس جيشًا قويًا يردع بقوته كل طامع وغاصب.
كما تحدثنا عن تفاصيل الأسر المصرية حتى عصر الهكسوس وعرفنا ملوكها وملكاتها، واليوم نستكمل معكم هذه ووصلنا إلى الأسرة الخامسة عشر ولأنها أسرة هكسوسية وليست مصرية خالصة تخطينا الحديث عنها وما بعدها وبدأنا من الأسرة الثامنة عشر. نستكمل اليوم الحديث عن الأسر المصرية القديمة، واستعرضنا تاريخ الأسرة التاسعة عشر.
نستكمل اليوم الحديث عن الأسر المصرية القديمة، ونستعرض تاريخ الأسرة العشرون.
الحضارة المصرية القديمة والأسرة العشرون
كثير ما تجمع الأسرة العشرون مع الأسرة التاسعة عشر تحت مسمى الدولة الحديثة. تعتبر هي آخر أسرات الدولة الحديثة، وتلتها الفترة الإنتقالية الثالثة. أسسها ست ناختي إلا أن أهم ملوكها كان رمسيس الثالث الذي إقتدى برمسيس الثاني في حكمه.
من هم ملوك الأسرة العشرين؟
من هو مؤسس الأسرة العشرين؟
ونحت كل ملوك هذه الأسرة مقابرهم في وادي الملوك بطيبة (وإن كنا لم نستدل بعد على مقبرة رمسيس الثامن). أما العاصمة الشمالية بي رمسيس التي كثيراً ما كان الملك رمسيس الثالث يتردد عليها، فإن أقدم مخلفاتها الأثرية ترجع إلى عصر الملك رمسيس الثامن، وقد أدى تناقص منسوب مياه الفرع الشرقي للدلتا إلى سقوط هذه العاصمة فيما بعد. وعلى أية حال يبدو أن الرعامسة الأواخر قد فضلوا اتخاذ هذه العاصمة الشمالية مقراً لهم دون طيبة.
عمل رمسيس الثالث (1187 – 1156 ق.م) ابن ست ناختي بعد توليه الحكم على انقاذ مصر من هجمات الليبيين وغزوات شعوب البحر، واحتفظ ببعض المواقع في الأراضي الكنعانية. كما سار هذا الملك بصورة واضحة ومباشرة على نهج رمسيس الثاني، غير أنه شدد من تأثير الوازع الأخلاقي وتنمية مصادر ثروة الإله آمون.
ولكن هذا التألق الخاطف لم يستمر إلى حكم الملك الورع المتدين رمسيس الرابع (1156 – 1150 ق.م) ثم سادت بعد ذلك مرحلة طويلة من الانهيار والتدهور طوال ثلاثة أرباع قرن من الزمان، وأصيبت كافة أنحاء الشرق الأدنى بنوع من عدم الاستقرار المناخي، أدى إلى وقوعها فريسة لإضرابات، وتنازع العبرانيون والفلسطينيون على احتلال فلسطين.
وقام الآراميون بغزو سوريا وبدأت الإمبراطوريتان الآشورية والبابلية تعانيان من الانهيار والاضمحلال. أما مصر التي كانت لاتزال تفرض سيطرتها على السودان، فقد تقلص نفوذها من جهة آسيا، ولم تضع قدميها في سيناء بعد موت رمسيس السادس. كما ضعفت أوجه الأنشطة في تشييد المعابد، ونقشت ألقاب الملوك الرعامسة فوق المساحات الخالية الموجودة أصلا في الزخارف القائمة من قبل، ونحتت بعض التماثيل لرمسيس السادس والتاسع.
وفي آخر المطاف، أي خلال حكم رمسيس الحادي عشر،
استأنف العمل في معبد خنسو بالكرنك. ومن حسن الحظ أن البرديات والشقافات التي عثر عليها في دير المدينة، حيث كان يقيم العمال المكلفون بنحت وزخرفة المقابر الملكية، والعثور على الملفات الطيبية المتعلقة بالعديد من التحقيقات القضائية والنصوص التي تركها كبار كهنة آمون بالكرنك. قد أوضحت لنا كل تلك المصادر الأحوال التي كانت سائدة في تلك الفترة التي كانت الإرادة السياسية والدور الشعائري للملك تبدوان فيها بشكل مبهم غير واضح في الجنوب، بخلاف قرارات ومبادرات كبار الكهنة في طيبة.
فترة حكم رمسيس الثالث
ومنذ بداية حكم رمسيس الثالث ظهرت بعض الصعوبات المعيشية (كالإضرابات)، والاضطرابات التي عكرت صفو النظام العام (كتلك المؤامرات التي حيكت في البلاط الملكي وبعض الإنقلابات العسكرية)، وأخيرا تمكن الليبيون من غزو الشمال وإشاعة القلق بالجنوب. ومما يذكر أن هؤلاء الليبيين كانوا ينحدرون من سلالة أسرى حرب ثم تحولوا إلى جنود، أو كانوا من القادين الجدد الذين اندفعوا هربا من الصحاري بسبب المجاعات.
سرقة المقابر
وفي منطقة طيبة استطاعت إحدى العائلات أن تهيمن طوال عدة أجيال على إدارة الكهنوت والتراث الخاص بآمون، وتملكت هذه الطبقة الكهنوتية السلطات الدنيوية والدينية وعملت على مد جذور الثقافة الروحية، كما أكدت على استقلالها ومكانتها.
وفي عهد الملك رمسيس التاسع كان كبير الكهنة ويسمى أمنحتب هو الحاكم الحقيقي لطيبة، وفي فترة حكم نفس ذلك الملك ظهرت أيضا مشكلات في توزيع الحنطة (غذاء العمال) أدت إلى حدوث إضرابات جديدة، وانتشرت أعمال السلب والنهب داخل المقابر حتى تلك الخاصة بكبار الآلهة والملوك المتوفين. كما تجددت المجاعات واغتصاب المقابر، وعزل كبير الكهنة أمنحتب.
تراجع الأسرة
وظهر الليبيون وبدأ التدخل العسكري من جانب نائب الملك في النوبة، الذي توغل في قتاله حتى منطقة مصر الوسطى، بالإضافة إلى هجمات جيوش البرابرة . وازدادت الأمور سوءا في ظل حكم الملك رمسيس الحادي عشر (1098 – 1069 ق.م) وفي العام التاسع عشر سادت فترة سميت بعصر “تجديد الولادة” (وحم مسوت) متوازية مع الحكم الملكي.
وأعلنت عن نهضة النظام الكوني (بدلا من استبدال النظام العائلي) وبعديا عن رمسيس الضعيف المستقر في الشمال تمكن كبار كهنة طيبة، وقائد المرتزقة المعين حديثا المدعو (حريحور)، ثم بيعنخ من السيطرة على زمام الأمور في مصر العليا تحت شعار “وسيط آمون”.
وبقدوم سمندس مؤسس الأسرة الواحدة والعشرين المقبلة، احتلت تانيس مكانة “بي رمسيس”. وبذلك ساعدت نهاية الدولة الحديثة على نمو بذور فترة الانتقال الثالثة متمثلة في اضمحلال وجود الفرعون المعنوي، وتعزيز مكانة الإله آمون رع الخالق الأعظم بصفته منبع الحكم، وسيد مصائر الخلق وتشكيل السلطتين الطموحتين السابقتين: سلطة كهنة آمون، وسلطة الزعماء الليبيين الذين كانوا يسيرون في طريق التحضر والتمصير.
إلى هنا تنتهي تفاصيل هذه المقال عن الحضارة المصرية القديمة. على وعد بلقاء الأسبوع القادم.. دمتم في أمان الله.
كتبت: مروة مصطفى