انا وابنيانا وعائلتي

الطفل كالإسفنجة تتشرب في السنوات الأولى وتنضح كلما مرت السنين

راقت لي عبارة الطفل كالإسفنجة التي تمتص ما حولها ثم تنضح به. نعم الطفل كذلك فهو يتأثر بكل ما حوله وبمن حوله، ويأخذ منهم العديد من السلوكيات سواء الجيدة أو السيئة، ثم ينضح بها كلما مرت السنين.

ونجد الكثير من الآباء يشكون سوء سلوك أطفالهم، ولا يعلمون أنهم السبب الرئيس والأساسي، فهم يتصرفون أمامهم بكل حرية، غير عابئين ولا مكترثين لهذه الصفحة البيضاء التي يكتبون بها بحروف من القدوة والتقليد، ولا يدركون أن الطفل كالإسفنجة تمتص اليوم وتنضح غدا.

لذلك، جئنا اليوم لنطرح سؤال ظل عالقا في الأذهان، هل المشكلة في هذا الجيل وسلوكياته المرفوضة، أم في سلوكيات الآباء التي يمتصها الأبناء ويعيدون تصدرها عبر السنين؟.

الطفل كالإسفنجة

تخيل معي أن طفلك يراك تضرب اخته أو أمه، وتخيل معي أنه يشاهدك دوما تعنف كل من حولك بقسوة ودون اكتراث لمشاعرهم، هل تعتقد أن هذا الطفل سيكون رحيما بمن جوله؟.

الإجابة لا بكل تأكيد، فهو سيقلدك دون قصد فأنت قدوته وتفعل هذه التصرفات السيئة، ولماذا تطلب منه الرحمة أو المعاملة الحسنة وأنت لا تفعلها، وكيف ينشأ بداخله الإحساس بالرأفة والتعاطف والحب لمن حوله؟.

وتخيل أيضًا أنك تكذب دائما، وأبسط كذبة هي أن يرد طفلك على الهاتف؛ ليخبر من يسأل عنك بأنك غير موجود، أنت بكل بساطة طلبت من طفلك أن يكذب وشاركت معه هذه الكذبة.

وتأتي بعد ذلك وتعنفه على الكذب، بأي منطق سيسمع كلامك ويستجيب لأوامرك، وكيف نطلب منه شيء ونفعل عكسه تماما، وأين له أن ينصاع لرغبتنا دون اقتناع منه بأنها التصرف الجيد، ما دام يرانا نتصرف بالعكس.

راقب تصرفاتك أولا

كما سبق وأشرنا أن الأم والأب هما القدوة لأولادهما، فكلما شاهدك طفلك تتصرف بشكل لائق، سيقلدك بشكل تلقائي ولا تنتظر منه غير ذلك، فعندما يراك تصلي سيقف بجانب ويفعل مثلما تفعل.

وعندما يراك تدخن سيجارة سيقلدك لا محالة، وسيراقبك طوال الوقت فأنت بالنسبة له المثل الأعلى، والقدوة التي يحتذي بها، فأنى له أن يرى مثله الأعلى في موقف سلبي ولا يتأثر به في سلوكياته.

الطفل كالإسفنجة الأم مدرسة

الأم مدرسة

عندما وصف الشاعر حافظ إبراهيم الأم  وقال عنها: “الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق”، فقد أصاب الهدف والمضمون من التربية، فالأم تنجب نصف المجتمع وتربي النصف الأخر، وهي من أهم ركائز الأسرة بل والمجتمع بأسره.

فهل لهذه الأم التي هي بمثابة مدرسة تغرس القيم والأخلاق في نفوس أطفالها، أن تفتقر للمبادئ والأخلاق، ولا تهتم بتعليم أطفالها أبجديات التعامل وأصول التحدث ومراقبة الضمير، وما الذي سيمتصه طفلها وهو كما اتفقنا أن الطفل كالإسفنجة.

لذلك، ينبغي على كل أم الانتباه لما تفلعه وتتفوه به من كلمات عند تربية طفلها، ولا تستهين بهذا الطفل الصغير الذي يستعين بها في كل أموره، فكيف يراها تكذب وتفتن وتتكلم في حق الغير بما يعيبه وتتملص من واجباتها ولا تراقب ضميرها، ثم يتصرف بشكل ينافى ما يشاهده ويلمسه بنفسه.

الأب عمود البيت الطفل كالإسفنجة

الأب عمود البيت

لأننا نعلم أن الطفل كالإسفنجة. لذا تعالوا بنا نتفق على بعض الأساسيات التربوية المهمة، والمتوجب علينا وضعها كحجر أساس لأسرة مترابطة، ستربي طفلا صالحا يخدم وطنه ومجتمعه، وأول هذه الأساسيات هي الأب.

بما أن الأب لا يتواجد في البيت معظم الأحيان، فعليه أن يختار بعض المهام التي تتماشى مع طبيعة الظروف، فلا يختار لنفسه دور المعاقب طيلة الوقت، أو دور الرقيب الذي لا يتوانى عن التعليق على كل تصرفات الأبناء مهما كانت تافهة أو صغيرة.

ويجعل الأوقات القليلة التي يقضيها في المنزل مع أطفاله، أوقاتا ممتعة يملأها الحنان والعطف، وكذلك النصح بما يتناسب مع عمر الطفل، فالطفل الصغير ينصحه بالحكايات والقصص القصيرة، والأكبر سنا ينصحه بالمواقف الحياتية حتى يتعلم منها بشكل واقعي.

ولا نعني بهذا أن لا يعرف الأب ما يحدث مع أبنائه، أو يعاقبهم على ما اقترفوه من تصرفات سيئة، ولكن عليه أن يوازن الأمور ويحرص على التحدث مع أطفاله عن يومهم وما يزعجهم، والمشاكل التي تحدث معهم كل يوم ويبحث معهم عن الحلول وينصحهم بهدوء.

اختيار الصديق

نحن لا نربي أبنائنا وحدنا بل يربيهم المجتمع والأصدقاء، ولأننا لا نستطيع تربية المجتمع، الذي ربما ينسف كل ما زرعناه بنفوس أبنائنا بين عشية وضحاها، يتعين علينا وضع أسس اختيار الصديق عند الأطفال منذ الصغر، فهناك معايير وصفات لا بد أن تتوفر في الصديق على طفلك أن يعيها جيدا.

واحرصوا على مقابلة أصدقاء أولادكم والتعرف عليهم عن قرب، ولا مانع من دعوتهم على الغداء في المنزل أو بالخارج، حتى تستطيع أن تحكم عليهم من خلال التعامل المباشر، وتطمئن لهم ولوجودهم في حياتهم، لأن الطفل كالإسفنجة وسيمتص من صديقه كل شيء.

وأخيرا، علينا أن نلتفت لما نفعله أولا ونراقب أنفسنا قبل أن نراقب أولادنا، ونعلمهم كيف يراقبون ربهم وضمائرهم، ونغرس بداخلهم القيم والمبادئ والأخلاق التي تجعلهم يواجهون العالم والمجتمع بقوة، واطمئن فما زرعته اليوم ستحصده غدا ولن يضيع معهم كل ما فعلته من أحلهم.

وتذكر أن الطفل كالإسفنجة، كلما تشربت الحب والحنان والعطف، وامتصت القيم والمبادئ والأخلاق، ستنضح بما فيها وتنفع نفسها ومجتمعها.

آمال أحمد

يأسرني عالم الترجمة وقضيت حياتي أحلم بأن أكون جزء من هذا العالم الساحر الذي اطلقت لنفسي فيه العنان لأرفرف بأجنحتي في سماء كل مجال، وأنقل للقارئ أفكار وأحداث من كل مكان على أرض المعمورة مع مراعاة أفكاره وعاداته وثقافته بطبيعة الحال، وفي مجال الترجمة الصحفية وجدت نفسي العاشقة للتغيير والمتوقة للإبداع والتميز.. من هنا سأعمل جاهدة على تلبية كل احتياجاتك ومساعدتك على تربية ابنائك وظهورك بالشكل الذي يليق بك ومتابعة الأخبار التي تهمك واتمنى أن أكون عند حسن ظنك.
زر الذهاب إلى الأعلى