منوعات

جهنم وتاريخها.. كيف تصور الإنسان الجحيم والعذاب في الحضارات المختلفة؟

تاريخ جهنم والتصورات البشرية عنها

منذ بداية الخليقة ويتفكر الإنسان في الموت وما بعد الموت، ومبدأ الثواب والعقاب يشغل باله وفكره لسنوات طويلة، ووضع تصورات عديدة للعذاب والمكان الذي يعذب فيه المخطىء على ما اقترفته يداه من خطايا، فميزان العدل عندما ينصب للبشرية لا بد أن يثاب المحسن على إحسانه والمخطئ على أخطائه، وهو بالضبط مفهوم جهنم والتي ينكر وجودها الملاحدة بشكل لافت.

من هنا، فكر الأدباء والفلاسفة وكل من يشغلهم أمر الكون المحيط بنا، وبحثوا عن مفهوم جهنم، ووضعوا تصورات لشكلها وطبيعتها ومكانها وكل شيء يفك غموض ماهيتها ويجعلهم يتوصلون لحقيقيها. في أواخر القرن 14 ينتهي الشاعر الإيطالي دانتي، من كتابه ملجمته “الكوميديا الإلهية”، وقام بتقسيم الكتاب إلى 3 أجزاء وهي: الجحيم والمطهر والفردوس.

طبقات جهنم السبعة ومن يسكنها جهنم

تاريخ حهنم وفقا لدانتي

يصف دانتي الجحيم بأنه مكان أبدي يعذب فيه المذنبين، وهو عبارة عن حفرة عميقة على شكل مخروط مقلوب في عمق الأرض أي أنها “الهاوية” كما ذكرت في القرآن الكريم، يقسم هذا المخروط إلى 9 حلقات أو دوائر، ولكن القرأن الكريم قسم حهنم إلى 7 أنواع وهي جهنم، ولظى، والحطمة، والسعير، وسقر، والجحيم، والهاوية. قعر جهنم مسافة سبعين عاما، كما في الأحاديث التي رواها مسلم وغيره.

نعود لدانتي الذي تصور جهنم بعيدا عن القرأن الكريم. يكمل دانتي وصفه لجنهم بأن هذه الحلقات الدائرية تضيق كلما اتجهت للأسفل تحيطها النيران على شكل أسوار نارية، وبحسب أخطاء المرء أو بالأحرى ذنوبه يتعذب على شكل درجات في هذه الحلقات التي يزداد فيها العذاب كلما اتجه المذنب إلى الأسفل، فالحلقة الأولى لقرص الدبابير والهوام والثانية لوحوش مفترسة تنهش الأجساد حية، مروروا بنار يغلي يحرق الآف البشر، أو لهيب مستعر يحرق الأجساد المدفونة في الرمال بشكل مقلوب بلا هوادة.

ثم يتدرح العذاب ليصبح أفاعي ملفوفة حول رقاب المعذبين، وبعد لدغ هذه الأفاعي تتحول الأجساد إلى رماد ثم يشكل في صورة أجساد لتعود دائرة العذاب من جديد. ثم انتقل دانتي ليصف خطايا البشر وهي الشهوة والأنانية والشره والجشع، بالإضافة إلى الغضب والهرطقة والعنف والغش. وبعد التدرج في العذاب يقابل المذنب لوسيفر أو الشيطان، والذي تمرد على الخالق وبذلك يكون أول المذنبين وأكبر الخائنين في الكون.

يصف دانتي لوسيفر وهو يأكل أشهر الخونة في التاريخ، مثل يهوذا خائن المسيح وبروتس خائن  يوليوس قيصر، وكلما أكل الشيطان رأس هؤلاء الخونة تنمو رؤوسهم من جديد، إلى أن ينجو المذنب من لوسيفر، وهنا يتخيل دانتي نفسه هو المذنب الذي ينتقل للمرحلة الثانية وهي المُطهر، ومنه يعبر إلى الفردوس وهناك يقابل من يأخذ بيده إلى جنة الخلد حبيبته بياتريس.

جدير بالذكر أن تخيلات دانتي الشعرية عن الجحيم لم تكن من وحي خياله بالكامل، ولكنه استمد بعض الأفكار من أرسطو الذي سبقه، وكذلك التعاليم الدينية التي أرست قواعدها الكنيسة الكاثولوكية، فضلا عن الأساطير الرومانية والأغريقية والملاحم القديمة.

جهنم طبقات جهنم السبعة ومن يسكنها

ملحمة الإنيادة لفيرجيل

من الملاحم القديمة، ملحمة الإنيادة التي كتبها فيرجيل، وفيرجيل هو شاعر روماني ولد عام 70 قبل الميلاد، وقد سبق دانتي في التحدث ووصف الجحيم كما سبق وأشرنا، وحاول بتخيلاته عن العالم السفلي، ووصف فيه أنهار الجحيم وأسواره وقارب العبور الذي ينقل فيه أرواح الموتى، وغيرها من الأفكار التي ساعدت دانتي على تخيلاته ليسردها في ملحمته.

ولم يكن فيرجيل الأول بطبيعة الحال، فقد سبقه هوميروس في القرن التاسع قبل الميلاد، ووصف عالم الجحيم والشياطين وزيارة أوديوسيوس للعالم السفلي، وفي العالم الاسلامي كانت السابقة لرسالة الغفران لكاتبها أبو العلاء المعري والتي سبقت دانتي في وصف الجحيم. وعليه لم يكف الانسان عن التفكير في شكل الجحيم حتى في عصور ما قبل التاريخ.

تاريخ حهنم لجورج بنوا

نجد فكرة جهنم حاضرة فى أقدم النصوص البشرية والمرتبطة بالمفاهيم الدينية الأولى، كما نجدها فى الكتابات المعاصرة الملحدة، وجهنم مكان كئيب مشئوم يقع فى العالم الآخر أو هى حالة ضيق وغم وجوديين نعيشها بدءاً بهذه الحياة، وهى متعددة الأشكال وقابلة للتكيف تبعاً لنماذج الحضارات”.

بتلك الكلمات يبدأ المؤرخ والأديب الفرنسى جورج بنوا، مدخل كتابه “تاريخ جهنم”، وفيه يستعرض كيف ترى الديانات المختلفة سواء سماوية أو وضعية هذا الجحيم، وما الصورة المتخذة عنها، حيث أن لا أحد من الأحياء يعرف شكل جهنم حقيقةً والفكرة المتخذة عنها لا تتعدى كونها مكانا مظلما مليئا بكافة أشكال العذابات، يعاقب فيه مذنبين الحياة ويدفعون فيه ثمن أخطائهم الجسيمة التى ارتكبوها خلال حياتهم.

يقول الكاتب الفرنسى عن جهنم إنها ضاربة فى القدم وأنها “مرتبطة بالحالة الإنسانية التى تلقى فيها عذاباتها وأحقادها وتناقضاتها وعجزها”، على عكس الجنة التى هى مكان لتسامى الآمال والأفراح والإرادة الإنسانية السعيدة، وأنها سواء فى وجودها أو عدمه فإنها مرتبطة بالعقاب فضلاً عن إنها مرآة لفشل كل حضارة فى حل مشاكلها الاجتماعية وهى مصدر الغموض فى الحالة الإنسانية، وطالما ظل الإنسان عاجزاً عن حل لغزه الخاص فإنه سيتصور جهنماً ما.

يستعرض الكتاب جهنم فى عدة ديانات والتى وجدت فى الحضارات الشفهية أو الديانات الشرقية القديمة الكبرى، الوثنية الكلاسيكية، العبرانية، التوراتية، وجهنم فى المسيحية والإسلام فضلاً عن جهنم المعاصرة والتحولات التى مرت بها خلال العصور المختلفة.

ترى أفريقيا السوداء على سبيل المثال قبيلة تسمى “السيرير” فى السنغال، ترى جهنم فى باطن الأرض، وهو مكان مشئوم يفقد فيه الإنسان قواه شيئاً فشيئاً، وفى قبيلة “الكيزيس” فى غينيا فإن جهنم توجد فى بلاد الأشرار فى أحشاء الظلمات، وإن قضاء الله ينزل عليهم بطريقة أو بأخرى ويظلوا منبوذين من مقر الأموات دون أن يصابوا بعذاب أليم، فجهنم بالنسبة لهم فى التهميش .

حهنم طبقات جهنم السبعة ومن يسكنها
أما فى الديانات الثابتة الكبرى فتظهر جهنم بمعنى مكان للتعذيب تقوم به قوى خارقة للطبيعة بعد الموت، فترتبط جهنم فى هذه الديانات بوجود آلهة تتولى أمر العقاب فى العالم الآخر بعد الموت، أما الديانات الأخرى فيعاقب الفرد نفسه بنفسه بالإقصاء أو غيره، وليس شرطا بأن يكون بعد الموت، كما أنهم يرونه بشكل آخر جانب العقاب، حيث يرون من يتعرض للعذاب فى دنياه سواء تعرض لحادث أليم نتج عنه عاهة دائمة أو تعرض للمرض أو الفقر فهو بمثابة جهنم وإنه روح معذبة فى حد ذاتها .

ويذكر الكتاب أن أقدم النصوص الأدبية العالمية التى تحدثت عن جهنم فهى الألواح الأكادية فى الألف الثامن قبل الميلاد، ويرى شعب ما بين النهرين جهنم بأنها مكان لا يسر والغبار يصيب أجساد الموتى فيها والصلصال طعامهم، يلبسون كالطيور ولا يرون النور وأرواحهم تلوث بالأوحال، بالإضافة إلى أنه لا أمل فى الفرار حيث يحيط بجهنم سبعة أسوار ضخمة.

بينما ترى الحضارة المصرية القديمة جهنم على أنها فناء الكون وفيها يخضعون إلى عذابات تهدف إلى تحويلهم لعدم فتغلى أجزاء منه ويلتهم حيوان مفترس بقاياه، وتراه الديانة الهندوسية بأن له مغزى واحد وهو أن من يختار الشر يحطم النظام الإلهى ويعد لنفسه بنفسه مصير مشوش من العذابات والفوضى.

أخيرًا، في الدين الإسلامي أعطانا الخالق وصفا دقيقا لجهنم، ودرجاتها وأنواعها ومراحل العذاب بها، وكيف يعذب بها واستبدال الجلود كلما نضجت جلود المعذبين وغيرها من مظاهر العذاب الأخرى.

آمال أحمد

يأسرني عالم الترجمة وقضيت حياتي أحلم بأن أكون جزء من هذا العالم الساحر الذي اطلقت لنفسي فيه العنان لأرفرف بأجنحتي في سماء كل مجال، وأنقل للقارئ أفكار وأحداث من كل مكان على أرض المعمورة مع مراعاة أفكاره وعاداته وثقافته بطبيعة الحال، وفي مجال الترجمة الصحفية وجدت نفسي العاشقة للتغيير والمتوقة للإبداع والتميز.. من هنا سأعمل جاهدة على تلبية كل احتياجاتك ومساعدتك على تربية ابنائك وظهورك بالشكل الذي يليق بك ومتابعة الأخبار التي تهمك واتمنى أن أكون عند حسن ظنك.
زر الذهاب إلى الأعلى