
نتحدث اليوم عن ظهور العماليق من جديد على الساحة، بعد حديث رئيس الوزراء الاسرائيلي عنهم مؤخرا وتعود قصتهم إلى أربعين قرنا خلت، وتحديدا زمن النبي ابراهيم عليه السلام، وبحسب المؤرخين العرب أمثال الطبري وابن خلدون سكن هؤلاء القوم شبه الجزيرة العربية وصولا إلى بلاد الشام ومصر، ويعود نسبهم إلى أبناء سيدنا نوح.
يؤكد الكثير من المؤرخين أن العماليق هم أصل العرب كما أنهم أول من تكلم اللغة العربية، ولكن هذه المقوله محل جدل، حيث يؤكد أخرون أن سيدنا اسماعيل هو أول من تحدث باللغة العربية. لكن عودة ظهور العماليق والحديث عنهم هو بيت القصيد. جئنا اليوم لنتحدث عنهم ونتعرف عليهم في طي السطور التالية.
من هم العماليق؟
العماليق كما يُقال هم بنو عبيل – بنو السميد – بنو عمرو – الكنعانيون – الأموريون، وهو الاسم الذي أطلقه العرب على قبائل البدو في بادية الشام والعراق الأقدمين، ومن صفاتهم أنهم أضخم وأقوى ما خلق الله، ويقال إنهم قوم جبّارون أو العماليق الجبابرة وهم أول مَنْ بدأ بأكل البشر.
ويقال إن عوج ابن عنق، هو أبو العماليق الأسطورة، فكان عوج من طوله العملاق يشرب من السحاب ويشوي الحيتان في الشمس، كما أن الطوفان قد بلغ ركبتيه من ضخامته حتى إن سيدنا موسى قد قفز 30 ذراعاً ليبلغ كعبه، ويقال إنهم مجموعات بدوية اجتاحت بادية العراق والشام ومدن فينيقيا وكنعان، ثم احتل هؤلاء مصر وأسسوا إحدى الإمبراطوريات الكبرى في العصر القديم.
ومن تبقى من هؤلاء البدو القدماء العموريون وكذلك العمالقة والنبط الذين اندمجوا مع العرب واستعربوا بعد الميلاد تدريجياً إلى أن أصبحوا عرباً. وهناك من يقول أن العماليق اتجهوا نحو الجزيرة العربية بعد انهيار برج بابل وانخرطوا في العرب وتكاثروا واصبحوا جزءً أصيلا منهم.
ظهور العماليق بالحضارة المصرية
يرجع نسب العديد من القبائل العربية إلى عمليق الذي سبق الإشارة إليه عاليه. بحسب بعض المؤرخين يعود أصل المصريين إلى العماليق، بل والملك الذي عاصر نبي الله يوسف ينحدر من نسلهم، ولا أحد يدري ما صحة هذه المقولة، من هنا جاء ظهور العماليق بمصر، ولكن هذه المعلومات غير مؤكدة ولا يمكننا الجزم بها.
نعود لمسألة ظهور العماليق وذهابهم إلى فلسطين، فقد استوطنوها وتعايشوا مع القبائل هناك، واشتهروا بالزراعة والتجارة وظلوا يشتغلون بها حتى خرج بني اسرائيل من مصر واتجهوا إلى فلسطين. من هنا بدأت الصراعات والنزاعات، بعد ما شعر العماليق بالخطر القادم من بني اسرائيل ونشبت الصراعات التي بدأها بني اسرائيل بغية أخذ مكانتهم وكسر شوكتهم.
لكن وكعادة اليهود الذين زيفوا التوراة ونصوص العهد القديم، كتبوا أن العماليق هم من اعتدوا عليهم. واصبحوا العدو الأول لليهود، وترجع التوراة التي تفصل عادة في بيان أنساب الأقوام والقبائل السامية، العماليق إلى ذرية عيسو، وقد جاء في التوراة أن الإمارة كانت في بنى أليفاز بن عيسو، وبنى أليفاز وأمير عماليق.
فكان هؤلاء العمالقة يسكنون في جنوب فلسطين، وجاء في سفر التوراة عن منازلهم، فإن العمالقة مقيمون بأرض الجنوب والأموريين مقيمون بالجبل، والكنعانيين مقيمون عند البحر وعلى مجرى الاردن، بينما الاخباريون العرب فقد اختلفوا في نسب العماليق.
وجاء بالتوراة أن العماليق أول الشعوب وأما آخرته فإلى الهلاك، ويقصد من ذلك أن العمالقة كانوا أول شعب وقف في وجه بني اسرائيل الذين أخذوا بعد خروجهم من مصر بقيادة موسى، في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، فقد كانوا يهاجمون العمالقة من قبل ويعتدون على ممتلكاتهم.
العماليق في القرأن
كما أن الله سبحانه وتعالى، قد أشار إلى العماليق في القرآن الكريم اذ قال في سورة المائدة «قالوا يا موسى إنّ فيها قوماً جبّارين وإنّا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنّا داخلون».
ما يؤكد أن العماليق سكنوا فلسطين قبل خروج بني اسرائيل من مصر، وأن اليهود لم يجرؤا على مهاجمتهم واشترطوا على نبيهم خروجهم ومحاربتهم دون تدخل من اليهود لأن عدوهم قوي ولم ينتصروا عليه، ما يؤكد جبنهم وعدم مقدرتهم على مواجهة العدو في ساحة المعركة ولكنهم يحاربون من خلف الأسوار أو من وراء الجدران كما وصفهم الحق سبحانه وتعالى.
عوج بن عنق
واحد من العماليق بل هو أبوهم، ويقال أنه ولد نتيجة أول علاقة زنا في التاريخ، يعرف بأنه حفيد أدم عليه السلام وخلد اسمه في التاريخ وذلك لأنه دخل في حرب مباشرة مع بني اسرائيل وقذف في قلوبهم الرعب، فضلا عن أنه كان يصطاد الحيتان ويشويها تحت أشعة الشمس المباشرة، ليس ذلك فحسب بل هو الوحيد الي نجا من الطوفان لأن المياه وصلت حد ركبتيه فقط، وانتهت قصته بمقتله على يد موسى عليه السلام.
معركة ريفيديم
هي المعركة التي وقعت بين اليهود والعماليق وقتل من اليهود عدد لا بأس به وهرب عدد قليل منهم، ثم جمع اليهود شتاتهم على يد يوشع بن نون، الذي قاد الحشد ضد العماليق والحقهم هزيمة نكراء يتغنى بها اليهود حتى يومنا هذا، ولكنهم لم يقضوا عليهم مطلقا بل بقي منهم عدد كبير.
بعد هزيمة العماليق في هذه المعركة انتشروا في شبه الجزيرة العربية، واستقر البعض منهم في فلسطي، وكانوا وما زالوا شوكة في حلق اليهود والقضاء على أحفادهم هو غاية التمني والحلم المنشود الذي يراود اليهود حتى يومنا هذا. وهو ما يبرر ظهور العماليق على الساحة مرة أخرى وحديث نتينياهو عنهم.
بناء على ما سبق، نستطيع الربط بين استشهاد نتينياهو بآيات التوراة حول القضاء على العماليق وقتل نسائهم وأطفالهم وكل من بقي منهم، وهو يقصد هنا بالفلسطينين فهو يهدف للقضاء عليهم بشكل كامل حتى لا يبقى منهم احدا، لكن هيهات هيهات فلم يحدث ولن يصل لغايته مهما طال الزمن، ونصل لبيت القصيد وهو ظهور العماليق على الساحة من جديد والحديث عنهم.
لكن ما زال هناك سؤالا بحاجة إلى جواب، ألا وهو لماذا الأن ذكر اليهود ظهور العماليق بعد مرور كل هذه القرون؟، تكمن الاجابة في العودة للتاريخ فقد أكد المؤرخين على أن العماليق استوطنوا غزة تحديدا، وقد أرسل نبي الله موسى جواسيسه ليقتفي أثرهم وتأكد من وجودهم ثم دارت معركة كبيرة بينهما أدت إلى هزيمة العماليق وقتل كبيرهم عوج بن عنق نفسه على يد موسى عليه السلام. وبذلك نجيب عن سبب ظهور العماليق من جديد، لأنهم وبحسب التوراة يسكن أحفادهم غزة حتى اليوم، ويعد القضاء عليهم الشغل الشاغل لليهود.
هكذا عزيزي القارئ، ما زال الحلم بالقضاء على الفلسطينين او العماليق بحسب الرواية التوراتية قائم وسيظل كذلك حتى يأذن الله بإسدال ستار النهاية وتحرير القدس، فالنصر قادم لا محالة ونحن على يقين بأن الليل مهما طال لا بد للشمس أن تشرق ويغمر ضياؤها الأرض.