لمن يتابعنا للمرة الأولى، نعرفكم بهذه السلسلة من مقالاتنا عن الحضارة المصرية القديمة، لنعرف الجيل الجديد ونذكر بقية الأجيال بها واليوم موعدنا مع عصر الهكسوس.
فتحدثنا منذ البداية أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة وننزل إلى الأعماق.
وعرفنا معنى كلمة مصر وسبب تسميتها والمصطلحات المصرية القديمة، وكيف قرر المصري القديم أن ينشأ امبراطورية حقيقية تديرها حكومة مركزية، وأن يأسس جيشا قويا يردع بقوته كل طامع وغاصب.
كما تحدثنا عن تفاصيل الأسر المصرية حتى الأسرة الثالثة عشر وعرفنا ملوكها وملكاتها، واليوم نستكمل معكم ونتحدث عن عصر الهكسوس والأسرة الرابعة عشر.
عصر الهكسوس والأسرة الرابعة عشر
نتحدث معكم عصر الهكسوس والأسرة المصرية الرابعة عشر، وكانت الأسرة الرابعة عشر في مصر، سلسلة من الحكام الذين حكموا خلال الفترة الوسيطة الثانية على منطقة دلتا النيل في مصر، وكانت عاصمة الحكم أفاريس على الأرجح. كانت الأسرة الرابعة عشر موجودة في وقت واحد مع الأسرة الثالثة عشرة في ممفيس. بعض علماء المصريات يعتقدون حكام هذه الاسرة من أصل كنعاني، بسبب الأصول المتميزة لأسماء بعض ملوكهم وأمرائهم.
مع الأسرة الحادية عشرة (مصر كلها) والأسرة الثانية عشر والأسرة الثالثة عشرة، يكونوا جميعا الدولة الوسطى في عصر الفترة الإنتقالية الثانية في مصر القديمة.
عصر الإنتقال الثانى من 1785ـ إلى 1580 ق.م
ويضم الأسر من الثالثة عشرة إلى السابعة عشرة، وقد عادت الفوضى تسود مرة أخرى واضطربت الأمور وهو عصر اضمحلال، و عصر احتلال الهكسوس لمصر، يتميز آخر هذا العصر بتطور التكنيك الحربى وظهور العجلات الحربية مما أدى إلى نصر حاسم فيما يعتبر أول حرب تحريرية كبرى في تاريخ العالم عندما تمكن أحمس من طرد الهكسوس بعد احتلال دام حوالي 150 سنة.
ودام هذا العصر خمس أسرات فى حوالى 210 سنة مع التفصيل التالى : سخم رع واح خعو (رع حتب).
ملوك الأسرة الرابعة عشر الفرعونية
– سخم رع خو تاوي (بن ثني )
– دد نفر رع (ددو موسي)
– دد حتب رع (ددو موسي)
– دد عنخ (مونتو ام سا اف)
– نحسى
بحثنا كثيرا عن هذه الأسرة لنسرده في هذه الحلقة من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، وقد اختلفت القوائم فيما بينها وبالتالي اختلف المؤرخون فيما بينهم على أسماء بعض الملوك الأخرى (حوالي 30 ملكاً آخرين) في هاتين الأسرتين اللتين حكمتا حوالي مائة عام، ويدل ذلك على قصر المدة التي حكمها كل ملك مما أدى الي التفكك و التدهور و مهد لغزو الهكسوس.
غزو الهكسوس :
بدأ دخول الهكسوس لمصر في نهاية حكم ملوك الأسرة الرابعة عشرة، والهكسوس قوم أتوا من الشرق وشيدوا عاصمتهم في شرق الدلتا في أوراريس ولم يكن جنوب البلاد تحت سيطرتهم, وكان أمراء الجنوب يرسلون لهم الجزية، ومكث الهكسوس في شمال مصر حوالي قرن ونصف من الزمان، إلى أن تم طردهم على أيدي حكام الجنوب الذين تمكنوا من اقامة جيش قوي و محاربتهم وطردهم، وحطموا كل ما يمت لهم بصلة حتى يتم محو ذكراهم من النفوس ولا يبقى لهم ذكري.
الهكسوس أو الرعاة قوم من قبائل مختلفة لا تربطهم رابطة، يرجع أصلهم إلى أواسط آسيا، وقد انحدروا غربًا يقصدون النهب والسلب أو الاستعمار والغصب، نزحوا إلى بلاد الرافدين، ثم استقروا وقتًا ما في سوريا ولبنان وفلسطين وحكموها دون أن يكونوا من أهلها، ثم حدثتهم أنفسهم بأن يضموا إلى البلاد التي غزوها بلادًا أخرى طمعًا في خيراتها وهي مصر.
ولقد كانت حالة مصر الداخلية في عهد الأسرة الثالثة عشرة مغرية للهكسوس بأن يهاجموها ويغزوها وبدأ عصر الهكسوس، فالاضطراب كان يسودها في عهد هذه الأسرة، والجبهة الداخلية مفككة متخاذلة، والنزاع على السلطة يفرِّق بين أبناء الوطن الواحد، والحالة الاقتصادية والاجتماعية في تدهور.
فمصر كانت تمر بفترة انحلال وضعف قومي يسهِّل على الأجنبي المغير أن ينالَ منها. أضِفْ إلى ذلك أن الهكسوس كانوا يستخدمون في هجومهم سلاحًا جديدًا بالنسبة لذلك العصر، وهو سلاح العرَبات التي تجرُّها الخيل في ساحة الوغَى، ولم يكن هذا السلاح مألوفًا ولا معروفًا وقتئذٍ لدى المصريين القدماء، فكان تميزًا للهكسوس في نضالهم ضد مصر.
ماذا قال مانيتون عن الهكسوس؟
فهذا الوصف يدل على أنه لم يكن هناك معارك جدِّية أدت إلى غلبة الهكسوس، بل كان غزوًا فجائيًّا نُكبت به البلاد على حين غِرة، وكان تخاذل الجبهة الداخلية أول الأسباب لوقوعه. من ثم تخاذلت الأسرة الثالثة عشرة ثم الرابعة عشر أمام الهكسوس، فحكموا شرق الدلتا حكمًا مباشرًا وعاثوا فيها فسادًا، وكانوا قومًا مخرِّبين، فعصفوا بكل مظاهر الحضارة المصرية واضطهدوا الأهلين.
وبقيت الأسرة الرابعة عشرة تحكم غربي الدلتا موالية للاستعمار في عصر الهكسوس، أما أمراء الوجه القبلي فقد احتفظوا بشبه استقلال ذاتي مع دفع الجزية للهكسوس، وهذا معناه أن الهكسوس كانوا يحكمون شرقي الدلتا حكمًا مباشرًا، وكانت لهم السيادة على غربيها وجزء من مصر الوسطى، أما الوجه القبلي فكان له شبه استقلال ذاتي ولم يستطع الهكسوس إخضاعه لحكمهم المباشر.
ولم يطمئن الهكسوس يومًا على سيطرتهم ونفوذهم في مصر؛ ولذلك اتخذوا عاصمتهم في «أواريس»، وهي بلدة تقع في الشمال الشرقي من الدلتا، اختاروها لكي لا يُحاط بهم إذا تغلغلوا في الدلتا، أو الوجه القبلي وليكونوا على اتصال بمعاقلهم في فلسطين.