منوعات

غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة.. الحلقة 32

الحضارة المصرية القديمة

منذ بداية العالم وضُخ دم البشرية في عروق الحياة، خرجت للدنيا حضارة تعد عالما قائما بذاته، غيرت مجرى التاريخ ورسمت ملامح عظمتها على وجه الزمن، وكنا وما زلنا وسنظل نفخر بها حتى النهاية، ودائما نكون غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة. 

نبذة عن سلسلة غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة

لمن يتابعنا للمرة الأولى، نعرفكم بهذه السلسلة من حلقات غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، فقد قررنا في الداديز أن نعرف الجيل الجديد ونذكر بقية الأجيال بهذه الحضارة العريقة الخالدة.

فتحدثنا منذ البداية أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة وننزل إلى الأعماق.

نستكمل اليوم الحديث عن الأسر المصرية القديمة في حلقة جديدة من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، ونستعرض تاريخ الأسرة الثلاثون.

غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة

الأسرة المصرية الثلاثون

عادة ما تصنف هذه الأسرة على أنها الأسرة الخامسة من العصر المتأخر لمصر القديمة وحكمت من عام 380 ق.م.
حتى 343 ق.م.

أسس الملك نختنبو الأول الأسرة الثلاثين وهي الأسرة الأخيرة في تاريخ مصر القديمة، حيث سيطر على مصر وقضى معظم فترة حكمه مدافعاً عن مملكته ضد محاولات الفرس لإعادة غزو مصر، مدعوماً من اسبرطة و أثينا.

حاول خليفته تيوس غزو بلاد الشام التي كانت تحت الاحتلال الفارسي. أما حفيده نختنبو الثاني فقد عاصر محاولات الفرس إعادة احتلال مصر، والتي اعتبروها محمية متمردة، ففي أول عشر سنوات من حكمه، تفادى نختنبو الثاني الغزو الفارسي لأن الملك الفارسي أرتخشاشا الثالث كان مشغولاً بتوطيد حكمه.

وبعدها قام بمحاولة فاشلة لغزو مصر في شتاء عام 351/350 ق.م، لكنه جهز جيشه مرة أخرى وبات مستعداً لغزو مصر ونجح في المرة الثانية، وأجبر نختنبو على التقهقر بدفاعاته من الدلتا إلى منف ومنها هرب واختفى تماماً. وبالرغم من قيام ثائر يدعى خباباش بتنصيب نفسه ملكاً (338 – 336 ق.م.)، فإن نختنبو الثاني اعتبر آخر ملكا لمصر، وهروبه مثّل نهاية مصر المستقلة.

ملوك الاسره الثلاثون

1- نختنبو الأول Kheperkare، خبر كا رع 379–361 قبل الميلاد.
2- تيوس (تاخوس) Irimaatenre، إرما أتن رع 361–359 قبل الميلاد.
3- نختنبو الثاني Senedjemibre، سندجم إب رع 359–342 قبل الميلاد.

نخت نب إف، المعروف باسمه الهيليني نختنبو الأول، كان ملكًا مصريًا قديمًا، مؤسس الأسرة الحاكمة المصرية الأخيرة، الأسرة الثلاثين. الحقبة 380 – 362 قبل الميلاد, الأسرة المصرية الثلاثون، سبقه نفريتس الثاني تبعه
تيوس.

كان نختنبو قائدًا عسكريًا في الجيش من سمنود، نجل ضابط عسكري مهم يدعى جدهور وسيدة اسمها الكامل غير معروف، وينتهي بـ «مو». يقدم نصب تذكاري عثر عليه في هيرموبوليس بعض الأدلة على أنه وصل إلى السلطة من خلال الإطاحة بالملك الأخير في الأسرة التاسعة والعشرين نفريتس الثاني وربما قتله.

غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة

وقد اقترح أن نختنبو قد لقي مساعدة في انقلابه ذلك من الجنرال الأثيني خابرياس. نَفَّذ نختنبو مراسم التتويج في حوالي 379 قبل الميلاد في كل من صا الحجر ومنف، وحولت العاصمة من منديس إلى سمنود.

العلاقات بين نختنبو وملوك الأسرة السابقة ليست واضحة تمامًا. أظهر نختنبو القليل من الاهتمام لكل من نفريتس الثاني ووالده هاكور، واصفا الأول بأنه غير كفء والأخير بمغتصب العرش. على الرغم من ذلك، بدا أنه أعطى المزيد من التقدير إلى نفريتس الأول، الذي كان يُعتقد سابقًا أنه والد نختنبو أو جده. كان نختنبو بانيًا ومرممًا رائعًا، إلى حد لم تره مصر منذ قرون. أمر بالعمل في العديد من المعابد في جميع أنحاء البلاد.

في جزيرة فيلة المقدسة بالقرب من أسوان، بدأ إنشاء معبد إيزيس -الذي سيصبح أحد أهم المواقع الدينية في مصر القديمة- من خلال إقامة ردهته. بدأ نخت أنبو أيضًا البوابة الأولى في فناء آمون رع في الكرنك، ويعتقد أن أقدم ماميزي معروف تم العثور عليه في دندرة كان هو من بناه.

دعم نختنبو طائفة الحيوانات المقدسة -التي أصبحت بارزة بين فترتي الاحتلال الفارسي (الأسرتين 27 و31 على التوالي)- كما يتضح من الاكتشافات الأثرية في هيرموبوليس، صفط الحنا ومندس. عثر على منشآت أخرى أمر ببنائها الملك في المباني الدينية في منف وتانيس والكاب.

غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة

كان نختنبو كريماً كذلك تجاه الكهنوت. أصدر مرسوما في عامه الأول -والذي اكتشف على لوحة في نقراطس- يتطلب أن يتم استخدام 10 في المائة من الضرائب التي تم جمعها من الواردات ومن الإنتاج المحلي في هذه المدينة لمعبد نيث في سايس. تم اكتشاف توأم هذه اللوحة مؤخرا في مدينة هرقليون.

تسرد لوحة هيرموبوليس المذكورة -الموضوعة أمام بوابة رمسيس الثاني- التبرعات التي قدمها نختنبو للآلهة المحلية، وتم منح مزايا أخرى أيضًا لكهنة حورس في إدفو. أظهر إنفاق نختنبو الكبير إخلاصه للآلهة، وفي الوقت نفسه دعم مالياً أصحاب ثروات البلاد وأنفق في سبيل الدفاع عن البلاد.

صد الغزو الفارسي

في 374 قبل الميلاد، واجه نختنبو محاولة فارسية لاحتلال مصر مجددا -والتي كانت لا تزال تعتبر من قبل الملك الأخميني أردشير الثاني مجرد مقاطعة متمردة-. بعد إعدادات استمرت ست سنوات وممارسته الضغط على أثينا لاستدعاء الجنرال اليوناني خابرياس.

أرسل أردشير جيشا كبيرا يقوده الجنرال الأثيني إيفكراتيس والجنرال الفارسي فارنابازوس. وقد تم تسجيل أن الجيش تألف من أكثر من 200.000 جندي بما في ذلك الجنود الفارسيين والمرتزقة اليونانيين وحوالي 500 سفينة. أجبرت التحصينات على فرع النيل في الفرما -والتي أنشئت بأمر من نختنبو- أسطول العدو على البحث عن طريقة أخرى للإبحار في النيل. في نهاية المطاف، تمكن الأسطول من العثور على طريق من خلال الفرع المندسي الأقل تحصينا.

في ذلك الوقت، منع انعدام الثقة المتبادل الذي نشأ بين إيفكراتيس وفارنابازوس العدو من الوصول إلى منف. ثم حَوَّل فيضان النيل السنوي وعزم المدافعين المصريين في الدفاع عن أراضيهم ما بدا في البداية على أنه هزيمة مؤكدة لنختنبو الأول وقواته إلى نصر كامل.

من عام 368 قبل الميلاد، بدأت العديد من المقاطعات الغربية للإمبراطورية الأخمينية في التمرد ضد أردشير الثاني، وقدم نختنبو الدعم المالي للمقاطعات المتمردة وأعاد تحسين العلاقات مع كل من أسبرطة وأثينا.

غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة

الجنرال الأثيني خابرياس (يسار) مع الملك الإسبرطي أجيسيلاوس (في الوسط)، مع الملك المصري نختنبو الأول، مصر سنة 361 قبل الميلاد.

تيوس، (بالإنجليزية: Teos)‏، كان فرعون مصر بين عامي 362 و 360 ق.م. وكان الحاكم المشارك مع أبيه نخت انبو الأول من نحو 365 ق.م. وقد أطاح به نخت انبو الثاني بمساعدة اكسيلاوس الثاني من اسبرطة وأُجبر على الفرار إلى بلاد فارس عن طريق بلاد العرب. منحه الملك الفارسي أرتاخرخس الثاني اللجوء، وعاش تيوس في المنفى الفارسي حتى وفاته.

وفي عام 365 ق.م.، نصب نخت انبو الأول ابنه تيوس شريكا في الملك ووريثاً، وحتى وفاته في 363 حكم الأب والابن معاً. بعد وفاة الوالد قام تيوس بغزو بلاد الشام التي كانت ترزح تحت الاحتلال الفارسي. وخلال تلك الحملة فقد تيوس عرشه في انقلاب دبره ابنه تجا هاب إيمو وأتى بحفيد تيوس نخت انبو الثاني إلى العرش.

نختنبو الثاني ويُعرف أيضاً باسم نقطانب الثاني (الاسم باللغة المصرية نخت حورب أو نخت حر حب يعني «قويٌ هو حورس حبيت»)، حكم بين أعوام 360-342 قبل الميلاد كان الملك الثالث والأخير في الأسرة المصرية الثلاثين بالإضافة إلى كونه آخر حاكم لمصر القديمة من السكان الأصليين.

غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة

تحت حكم نختنبو الثاني، ازدهرت مصر. خلال فترة حكمه، طور الفنانون المصريون أسلوبًا فنيا ترك علامة مميزة على نقوش المملكة البطلمية. مثل سلفه غير المباشر نختنبو الأول، أظهر نختنبو الثاني حماسًا للعديد من طوائف الآلهة في الديانة المصرية القديمة، ويشهد على ذلك الاهتمام أكثر من مائة موقع بناء في مصر. وقد أجرى أعمال إنشاء وترميم أكثر من نختنبو الأول، ومن أهمها معبد إيزيس الضخم.

لعدة سنوات، نجح نختنبو الثاني في صد محاولات الغزو من قبل الإمبراطورية الأخمينية. ومع ذلك، لعدة أسباب منها تعرضه للخيانة من قبل خادمه السابق منطور الرودسي، هُزم نختنبو الثاني في نهاية المطاف من قبل القوات الفارسية واليونانية في معركة بيلوسيوم (343 قبل الميلاد).

احتل الفرس منف ثم استولوا على بقية مصر، وضموا البلاد إلى الإمبراطورية الأخمينية تحت قيادة أردشير الثالث. هرب نختنبو جنوبًا وحافظ على سلطته لبعض الوقت. مصيره اللاحق غير معروف.

لعب الدين دورًا مهمًا في السياسة الداخلية لنختنبو. بدأ عهده من خلال الإشراف على جنازة ثور آبيس في منف. كما أضاف نختنبو زخارف إلى المعابد الشرقية والغربية لأبيس. من بين المنشآت البارزة التي أقيمت في عهد نخت أنبو الثاني معبد خنوم في إلفنتين ومعبد آمون في سختام (سيوة).

كما كرس ناوس من الديوريت لأنحور (تم العثور على جزء منه في معابد سمنود). كان نختنبو الثاني مسؤولاً عن زيادة شعبية عبادة بوخيس. صدر تحت حكم نخت أنبو الثاني مرسوم يحظر أنشطة المحاجر فيما يسمى «الجبال الغامضة» في أبيدوس.

كانت الشؤون الخارجية في عهد نخت أنبو الثاني مرتبطة بالمحاولات الأخمينية المتكررة لإعادة احتلال مصر. قبل صعود نختنبو الثاني إلى العرش، حاول الفرس استعادة مصر عدة مرات في 385 و383 و373 قبل الميلاد. استفاد نختنبو من السلام القصير لبناء جيش جديد وتوظيف المرتزقة اليونانيين.

وكانت تلك ممارسة شائعة في ذلك الوقت. في عام 358 قبل الميلاد، استطاع نختنبو صد محاولة غزو أخمينية بقيادة الأمير أردشير الثالث. في حوالي 351 قبل الميلاد، شرعت الإمبراطورية الأخمينية في محاولة جديدة لاستعادة مصر. بعد عام من القتال، تمكن نختنبو وحلفاؤه، ديوفانتس الأثيني ولاميوس الاسبرطي، من هزيمة الأخمينيين مجددا.

بعد أن حقق نصرًا مدويًا، حاز نختنبو الثاني على لقب «نختنبو الصقر الإلهي»، وتم عمل طوائف باسمه. في عام 345/44 قبل الميلاد، دعم نخت أنبو التمرد الفينيقي ضد الإمبراطورية الأخمينية، بقيادة ملك صيدا، تينيس، وأرسل مساعدات عسكرية تمثلت في 4000 مرتزق يوناني بقيادة منطور الرودسي. ومع ذلك، بعد أن سمع منطور عن اقتراب قوى أردشير الثالث، تواصل مع الفرس وتخلى عن ولائه لنختنبو

في نهاية عام 344 قبل الميلاد، وصل سفراء أردشير الثالث إلى اليونان، مطالبين بمشاركة اليونانيين في حملة ضد مصر. تعاملت أثينا وإسبرطة مع السفراء بلطف، لكنهما امتنعتا عن القبول بتحالف ضد مصر. ومع ذلك، قررت مدن أخرى دعم الفرس: أرسلت طيبة 1000 هوبليت وأرسلت أرغوس 3000.

في شتاء 343 قبل الميلاد، انطلقت جيوش أردشير إلى مصر. تألف الجيش المصري، بقيادة نختنبو، من 60.000 مصري و20.000 ليبو والعديد من المرتزقة اليونانيين. بالإضافة إلى ذلك، كان لدى نختنبو عددًا من القوارب تهدف إلى منع العدو من دخول أفواه النيل.

كانت نقاط الضعف على طول حدود البحر الأبيض المتوسط والحدود الشرقية محمية بالمعاقل والتحصينات والمخيمات. على الجانب الآخر، تم تعزيز القوات الفارسية من قبل منطور ورجاله، المطلعين جيدًا على الحدود الشرقية لمصر والدلتا، وكذلك 6000 أيوني،  هزم نختنبو الثاني في نهاية المطاف.

وفي صيف 342 قبل الميلاد، دخل أردشير منف وقام بتعيين ساتراب. فر نختنبو إلى صعيد مصر وأخيرًا إلى النوبة، حيث مُنح حق اللجوء، وحافظ على قدر من السلطة هناك لبعض الوقت. بمساعدة خباش، قام نختنبو بمحاولة أخيرة غير ناجحة لاستعادة العرش.


غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة

قطعة نقود ذهبية مصرية من عهد نختنبو الثاني. يتكون التصميم الموجود على الجانب الخلفي من الرموز الهيروغليفية المصرية التي تعني «ذهب جيد»: قلادة صدرية (نوب= «ذهب») تعبر أفقياً فوق القصبة الهوائية والقلب (نفر= «جيد»).

غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة

تابوت نختنبو الثاني، والذي لم يستخدمه لأنه فر إلى الجنوب. المتحف البريطاني.

إلى هنا نأتي لختام هذه الحلقة من حلقات غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، على وعد بلقاء الأسبوع القادم. دمتم في أمان الله.

كتبت: مروة مصطفى

آمال أحمد

يأسرني عالم الترجمة وقضيت حياتي أحلم بأن أكون جزء من هذا العالم الساحر الذي اطلقت لنفسي فيه العنان لأرفرف بأجنحتي في سماء كل مجال، وأنقل للقارئ أفكار وأحداث من كل مكان على أرض المعمورة مع مراعاة أفكاره وعاداته وثقافته بطبيعة الحال، وفي مجال الترجمة الصحفية وجدت نفسي العاشقة للتغيير والمتوقة للإبداع والتميز.. من هنا سأعمل جاهدة على تلبية كل احتياجاتك ومساعدتك على تربية ابنائك وظهورك بالشكل الذي يليق بك ومتابعة الأخبار التي تهمك واتمنى أن أكون عند حسن ظنك.
زر الذهاب إلى الأعلى