غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة.. الحلقة 11
غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة
منذ بداية العالم وضخ دم البشرية في عروق الحياة، خرجت للدنيا حضارة تعد عالما قائما بذاته، غيرت مجرى التاريخ ورسمت ملامح عظمتها على وجه الزمن، وكنا وما زلنا وسنظل نفخر بها حتى النهاية، ودائما نكون غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة.
فتحدثنا منذ البداية أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة وننزل إلى الأعماق.
الجديد في غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة
اليوم سنتحدث عن الأسرة الخامسة، ونتعرف على ملوكها وملكاتها، ونكشف أسرارها وكيف أثرت في حضارتنا العريقة، استكمالا لحلقات غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة.
الأسرة المصرية الخامسة
الأسرة المصرية الخامسة حكم ملوكها ما يقرب من 150 عامًا وهناك من يقول 140 عاما، من أوائل القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد حتى منتصف القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد. غالبًا ما يتم دمج الأسرة الخامسة مع الأسر الثالثة والرابعة والسادسة تحت عنوان المملكة المصرية القديمة.
استمرت هذه الاسرة من (2494-2345ق.م)، مؤسسها هو الملك وسركا، وربما ينتمى إلى عائلة كهنة الشمس وكان الكاهن الأعظم في هوليوبليس قبل أن يتولى العرش، وقد تزوج من الملكة خنت كاوس لكى تحيل حكمه لحكما شرعيا.
بردية وستكار:
من أهم البرديات التي اعتمد عليها ملوك الاسرة الخامسة، وهى ترجع للأسرة 12، وتروى أحد أساطيرها أنه كان هناك ساحر يدعى جدى سأله الملك خوفو عن أسرار خزائن الحكمة الخاصة بالإله جحوتى، فاخبره جدى بأن الوصول اليها لن يكون إلا لأكبر 3 أبناء سوف تلدهم السيدة (رود جدت)، زوجة أحد كهنة الإله رع وأنهم سيحكمون بعد عهد خوفو وولده وحفيده وأنهم أبناء الاله رع.
قام وستكار بحملات ضد الليبيين وضد البدو في الشمال الشرقي وأرسل اسطولا لشواطئ فينيقيا، كما أرسل حملة لبلاد بونت لإحضار الذهب والبخور والأبنوس، واستغل محاجر الديوريت شمال أبو سمبل.
الملك أوسر كاف
نبدأ في حلقة اليوم من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة بالملك أَوْسَرْكاف، كان أحد ملوك مِصر القديمة ومُؤسِّس الأسرة الخامسة. حَكم لمدة سَبع إلى ثماني سَنوات في أَوائل القرنِ الخامسِ والعشرينَ قبل الميلاد خلال عهد المملكة القديمة، وربما كان ينحدر من أحد فروع العائلة المالكة من الأسرة الرابعة.
الملك نفر اير كارع (كاكاى)
أما الملك الثاني من حلقة اليوم في غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، هو نفر إير كارع وهو الملك الثالث لمصر القديمة خلال الأسرة الخامسة. اسم تتويجه، نفر إير كارع، يعني «الجمال هو روح رع».
اتى بعد ساحورع وحكم 10 سنوات، ولم يتمم قبل وفاته مجموعته الهرمية، وكان محبا للإلهة وقدم لها الكثير من الأوقاف الملكية، كما أصدر مرسوما ملكيا بإعفاء رجال الدين وفلاحي المعابد، من القيام بأعمال أخرى تتصل بمشاريع الإصلاح في الدولة، وساعد هذا المرسوم على تقوية نفوذ الكهنة، وبدأ يتقلص نفوذ الملك وضعفت قوته، ثم أرسل حملة إلى سيناء حيث عثر على اسمه هناك.
الملك شبسس كا رع
شبسس كا رع، ويطلق عليه في اليونانية سيسريس، هو ملك مصري من الأسرة المصرية الخامسة، الذي تولى الحكم في الفترة من (2426 ق.م – 2419 ق.م). اسمه الملكي يعني “نبيلة هي روح رع”.
الملك نفر ف رع
نفر ف رع ويعرف أيضاً باسم «رع نفر إف» هو خامس ملوك الأسرة الخامسة. واسمه يعني «جمال رع». وكان «نفر-ف-رع» أحد ثلاثة أشقاء أصبحوا جميعاً ملوكاً؛ والآخران هما «شپسس كا رع»، والملك الهام «ني اوسر رع”.
الملك ني أوسر رع
الملك من كاو رع
منكاو حور كايو الملك السابع من ملوك الأسرة الخامسة خلال عصر الدولة القديمة، خلفًا للملك نيوسير إيني وتبعه الملك جد كا رع، واسمه الملكي «منكاو حور» يعني «خالدة هي أرواح حورس». اكتشف له هرمين؛ الهرم الأول الموجود في منطقة سقارة والآخر الموجود في منطقة أبو صير.
الملك جد كارع اسيسى
حكم لمدة 28 سنة، وأرسل البعثات إلى محاجر سيناء ووادي الحمامات، كما استغل محاجر أبو سمبل، وقد شيد هرمه في سقارة، وعثر على تماثيل أبو الهول وثيران وبعض الأسرى الأجانب.
أهم رجال عصره وزيره الحكيم بتاح حوتب، والذى اشتهر بتعاليمه التي وجهها لولده يعلمه فيها أسس الحق والعدل والفضائل.
الملك ونيس (اوناس)
أخر ملوك الأسرة الخامسة، حكم لمدة 30 سنة وهو أول ملك نقش في حجرة دفنه نصوص الأهرام، وهي عبارة عن مجموعة من التعاويذ وطقوس دينية اختارها الكهنة، والهدف منها ضمان السعادة الأبدية للملك في رحلته في العالم الأخر، وأيضًا لإبعاد الشر عنه أثناء رحلته في العالم الأخر، وبنى مجموعته الهرمية في سقارة.
أهرامات وقبور الأسرة الخامسة
توجد أهرامات وقبور معظم ملوك الاسرة الخامسة في أبو صير (البدرشين)، من ضمنها هرم ساحورع و هرم ني أوسر رع ، وكذلك معبد الشمس كما قام أحد ملوكهم وهو نى أوسر رع ببناء معبدا للشمس شمالي أبي صير. والتي تعتبر أول نصوص دينية في تاريخ البشرية .
واستبدلت تلك النصوص بدلا من كتابتها على الجدران الداخلية للأهرام بنصوص مكتوبة على ورق البردي، خلال حقبة الدولة المصرية الوسطى. تسمى تلك المخطوطات نصوص التوابيت، وتغيرت خلال الدولة الحديثة إلى عدة كتب منها كتاب الآخرة وكتاب جهنم وكتاب الأبواب وغيرها، ووجدنا في قبور الكتاب والمهندسين والأطباء وكبار الموظفين الذين كانوا لا ينتمون إلى الأسرة المالكة، ووجدنا كتاب الموتى.
مقر الحكم والعلاقات الخارجية
وعندما بحثنا في الداديز لإضافة بعض المعلومات عن الأسرة الخامسة في حلقة اليوم من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، أخذنا المعلومات التالي ذكرها وفقا لاعتقاد مانيتو المؤرخ الإغريقي أن حكام الأسرة الخامسة كانوا يحكمون البلاد من إلفنتين بصعيد مصر، إلا أن علماء الآثار عثروا على ما يشير إلى أن مركز حكمهم كان في ممفيس .
وكما كان في الماضي نشطت البعثات إلى وادي المغارة في سيناء؛ لاستخراج النحاس والفيروز، وكذلك استخراج الذهب من النوبة ومحاجر الجنيس عند أبو سمبل. كما نشطت البعثات إلى بلاد بنط في الجنوب للحصول على أحجار مالاكيت و المر و إلكتروم (سبيكة ذهب وفضة).
ونشطت التجارة والبعثات الدبلوماسية مع جبيل في لبنان إلى جانب الفينقيين، كما عثر على آثار في “دوراك” Dorak بالقرب من بحر مرمرة بالبحر الأبيض المتوسط، تحمل أسماء لملوك الاسرة المصرية الخامسة، مما يدل على التبادل التجاري مع تلك البلاد.
هذا، ولا يعرف تماما كيف أسس أوسركاف أسرته الحاكمة، حيث توجد بردية وستكار المكتوبة في عهد الدولة الوسطى، وهي تحكي قصة عن الملك خوفو من الأسرة الرابعة، أن تنبأ له أحد أن امرأة كاهن رع لها ثلاثة أبناء سوف يقومون بالاستيلاء على عرشه وحرمان ورثه من العرش .
وتستمر القصة بأن الملك خوفو حاول التخلص من هؤلاء الأبناء وهم: أوسركاف وساحورع، ولكن علماء الآثار اليوم يعتقدون أن تلك القصة خرافة، وهم يعترفون بعدم معرفتهم بالضبط كيف انتقل الحكم من الأسرة الرابعة إلى الأسرة الخامسة.
خلال الأسرة الخامسة تغيرت الديانة المصرية القديمة تغييرا كبيرا، فخلال حكم تلك الأسرة كتبت نصوص الأهرام وما بها من وصف للطقوس الجنائزية لأول مرة . وعمل ذلك على تثبيت وشيوع عبادة رع .
كما قام المصريين القدماء ابتداء من أوسركاف إلى “منكاوحور” ببناء معابد للإله رع بالقرب من أبو صير. تبوأت عبادة أوزوريس في أواخر تلك الأسرة أهمية كبيرة، وعلى الأخص في مخطوطات وجدت في هرم أوناس.
من الكتبة والموظفين الكبار في عهد الاسرة الخامسة ظهر بتاح حتب، الوزير لدى الملك جد كا رع الشهير بـ “أسيس”، واشتهر بالحكمة وتنسب إليه ” وصايا بتاح حتب” التي نقلوها الكتاب من بعده. لم يكن بتاح حتب من أفراد العائلة الملكية، وكانت قبور الموظفين الكبار تزين بنصوص مشابهة للنصوص المنقوشة في قبور (الملوك)، مع الاختلاف في استبدال الصلوات.
انتهت الاسرة الخامسة وانتهت معها حلقة اليوم من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، ولم تترك لنا اهراما ضخمة، مثل أهرامات الأسرة الرابعة، إلا أنها تركت لنا ثروة لغوية ضخمة تمثلت في نصوص الأهرام وكذلك مظاهر الحياة اليومية، على جدران مقابر كبار رجال الدولة أمثال بتاح حوتب وتى ونى عنخ خنم.
نأتي وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من حلقات غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، وعلى وعد بلقاء جديد الأسبوع القادم بمشيئة الله تعالى.
المصدر: مروة مصطفى