عندما تدخل الطفلة مرحلة المراهقة، تتحول تحولا جذريا وتختلف طباعها وعاداتها، وتبدأ مرحلة التمرد والاستقلالية وتنشأ الصراعات بين الآباء وبناتهم على وجه الخصوص، ويطغى جو غريب من المشاحنات والمشاكل التي لا تنتهي على المنزل، وتكثر النصائح من الخبراء والتربويين حول تخطي هذه المرحلة الحساسة دون مشاكل نفسية.
في الواقع، لا ندري حقيقة ما هي النصائح المجدية، فلكل طفلة طبيعتها التي لا تتشابه مع طفلة أخرى، وبالتالي على الآباء معرفة ذلك جيدا والتركيز على التعامل بالطريقة المناسبة مع طفلتهم حتى لا تؤذي نفسها.
نعم، المراهقات هن أكثر شخص يتعرضن للإيذاء الذاتي، أو تشوية الذات، ويشير هذا المصطلح إلى مجموعة من السلوكيات أو الأفعال أو المحاولات غير المميتة، وتصدر من بعض المريضات تجاه أجسامهن، حيث يقوم بعضهن باحداث جروح أو تشوهات جسدية؛ نتيجة بعض الاضطرابات النفسية مثل حالات الاضطرابات الشخصية، وبعض الأمراض الذهانية.
تشير صحيفة ذي صن البريطانية، إلى ارتفاع المرضى في مرحلة المراهقة بشكل مضاعف على مدى أكثر من 20 عاما، لا سيما المراهقات، بشكل يثير الرعب والقلق، فما السبب في هذا الارتفاع؟
أسباب الإيذاء الذاتي في مرحلة المراهقة
وسائل التواصل الاجتماعي
تشير أصابع الاتهام، إلى وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج التليفزيونية، التي تثير المشاعر السلبية بين الشباب، وبخاصة هذه الفئة العمرية في مرحلة المراهقة. على سبيل المثال، يستخدم بعض الأشخاص الانستغرام، لنشر الصور البشعة والدموية، كما أن الفتيات بالأخص، يشعرن بالضغط العصبي نتيجة مشاهدة صور العارضات وأجسامهن المثالية، وبشرتهن المتلألئة، ويشعرن بالنقص، حيال ما يرونه من مظاهر الرفاهية والترف، التي ينعم بها مثيلاتهن.
وخلصت نتائج الأبحاث، التي أجرتها الجمعية الوطنية لمنع القسوة على الأطفال، NSPCC، إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي، هي السبب الرئيس لانتشار الإيذاء الذاتي بين الأطفال والمراهقين أثناء مرحلة المراهقة، وليس هناك نتائج مؤكدة، بشأن تأثير البرامج التلفزيونية عليهم، لدرجة الاصابة بهذه الاضطرابات النفسية.
البرامج التلفزيونية
فيما تقول اليزابيث: “تعلمت إيذاء النفس وعمري 18 عاما، من برنامج تلفزيوني، يسمى السماء السابعة، وكنت أعاني وقتها من الاكتئاب الشديد، وشاهدت حلقة مثيرة، حول فتاة تجرح نفسها من أجل صديقها، فشعرت أن العلاج الأمثل للاكتئاب، هو الجروح وتشويه الجسد”.
في سياق متصل، تحدث والد بيلا هرندون، المراهقة التي شنقت نفسها، قبل 3 أيام من عيد ميلادها السادس عشر، وأكد أنها لم تكن تعاني من أمراض نفسية، بل على العكس كانت تعيش في سعادة بالغة، وحولها أصدقائها الجدد، ولكنها كانت تشاهد سلسلة Netflix الشهيرة، 13 Reasons Why.
إذ يتناول هذا المسلسل الدرامي، قصة فتاة تنتحر بشكل مأساوي، وقد أثار المسلسل الكثير من الجدل، حول المغزى من عرض حلقاته، وكيف أثر على الأطفال والمراهقين، وليس المسلسل وحده، فهناك أيضًا العديد من المشاهير، مثل جوني ديب وأنجيلينا جولي، اعترفوا في السابق بإيذاء أنفسهم.
ولا يقتصر الأمر على المشاهير والبرامج التلفزيونية، لأن هناك سببا أخر، لا يقل خطورة وهو الانترنت، المليء بالصور والتجارب، التي تصور حالات الانتحار وإيذاء النفس، وكأنه أسلوب حياة يساهم في الراحة النفسية، وإظهار المشاعر المكبوتة بصور بشعة، كنوع من العقاب الذاتي، أو للخروج من المشاعر السلبية.
وهناك بعض الأسباب الأخرى التي تؤدي للإيذاء الذاتي في مرحلة المراهقة عند المراهقين بشكل عام وليس المراهقات فقط منها:
غياب القدوة
سبب أخر لا يقل أهمية عما سبق وهو غياب القدوة. أين الشباب المؤثرين الذين يتخذونهم المراهقين وبخاصة المراهقات قدوة لهم، ولماذا لا يلقى عليهم الضوء مثل المشاهير والمدونين وغيرهم، فعندما يسلط الضوء على شاب رياضي وصل للعالمية في رياضة ما، واستضافته والترويج لأخباره عبر السوشيال ميديا، حتما سيتأثر المراهقين به ويحاولون تقليده في أكثر فترة حساسة في حياتهم وهي فترة المراهقة.
الوحدة أسلوب حياة
عندما يصل الطفل لمرحلة المراهقة، تصبح الوحدة هي الخيار الأمثل، فنرى الطفل المراهق يقبع بداخل حجرته أناء الليل وأطراف النهار، بل والأدهى من ذلك هي تقضية اليوم نائما والليل سهرانا كخفاش الليل، فماذا يفعل وهو وحيدا متروكا لأفكاره تلعب به كيفما تشاء.
والغريب في الأمر هو عدم انتباه الآباء لهذه العادة القاتلة، التي تلقي بظلالها القاتمة على حياة طفلهم، ويتركونه وحيدا بدعوى أنه كبر وأن من حقه الشعور بالمزيد من الخصوصية، لكن عليهم الإنتباه جيدا لخطورة هذه العادة على حياتهم، فالنتيجة الحتمية هي إيذاء الذات والإصابة بالأمراض النفسية أثناء مرحلة المراهقة.
الفراغ القاتل
تتخيل معي أن هناك شخص ما لا يجد ما يشغله، وليس لديه هدف يسعى لتحقيقه، فهو يصحو من النوم كي ينام مجددا، أو ينكفئ على شاشة صغيرة بيده ساعات طويلة، يشاهد عليها الترندات والفيديوهات غير الهادفة. كيف ينتهي به الحال إذا؟.
بالتأكيد سيقتله الفراغ ويجعله يبحث عن شيء جديد لتجربته، وهنا تكمن المشكلة فالانترنت المظلم متاح والجرائم عليه بالجملة، ودعوات القتل والاختراق عليه حدث ولا حرج، أو الانخراط مع أصدقاء السوء عبر المحادثات، والذين يحثونه على تجربة الجديد كالمخدرات أو مشروبات الطاقة القاتلة.
لذا تناشد الجهات المعنية، الشركات القائمة على وسائل الإعلام الاجتماعية، بمراعاة ما يتم نشره، حفاظا على سلامة الشباب عبر الإنترنت، فضلا عن زيادة الوعي في المؤسسات التعليمية، لدعم الشباب ومساعدتهم على تخطي أزماتهم، بالطرق الصحيحة، والابتعاد التام عن كل ما يدمر صحتهم ونفسيتهم في مرحلة المراهقة.
بالتزامن مع قيام الدولة بواجباتها، يتعين على الآباء مراقبة أطفالهم في مرحلة المراهقة، واتباع كل الخطوات الواجب اتباعها في هذه المرحلة الحساسة من عمرهم، والتحدث كثيرا معهم عن كل ما يشغل بالهم والمشاكل التي يواجهونها، وكذلك تكوين الصداقة معهم المبنية على الصدق والوضوخ.