كمال أتاتورك وقيام الجمهورية التركية على أنقاض الدولة العثمانية

لمن يتابعنا للمرة الأولى، تحدثنا في سلسلة مقالات مميزة عن الحضارة المصرية حتى شرحنا أسباب ضعف الدولة العثمانية، واليوم نتحدث عن كمال أتاتورك.
منذ بداية العالم وضُخ دم البشرية في عروق الحياة، خرجت للدنيا حضارة تعد عالما قائما بذاته، غيرت مجرى التاريخ ورسمت ملامح عظمتها على وجه الزمن، وكنا وما زلنا وسنظل نفخر بها حتى النهاية، ودائما نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة ونفتش عن الحضارة المصرية ونسرد ومضات تاريخية عن تاريخ الاسر المصرية القديمة.
فتحدثنا عن ومضات تاريخية للحضارة المصرية منذ البداية وعرفنا يعني ايه مصر أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن ننزل إلى الأعماق.
تحدثنا في المقالات السابقة عن أسباب ضعف الدولة العثمانية واليوم نخصص مقالنا للحديث عن كمال أتاتورك أول رئيس للجمهورية التركية بعد انهيار الدولة العثمانية.
كمال أتاتورك والجمهورية التركية
في29 أكتوبر من عام1923م، تم إعلان قيام الجمهورية التركية على أنقاض الدولة العثمانية المنهارة، وكان أول رئيس لها مصطفى كمال أتاتورك، ومؤسس تركيا الحديثة، قائد الحركة التركية الوطنية التى حدثت فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، الذى أوقع الهزيمة فى جيش اليونانيين فى الحرب التركية اليونانية عام 1922، وبعد انسحاب قوات الحلفاء من الأراضى التركية جعل عاصمته مدينة أنقرة، وأسس جمهورية تركيا الحديثة، فألغى الدولة العثمانية.
كمال أتاتورك هو ابن لأب يدعى على رضا أفندى المولود فى كوجاجيك عام 1881، تنتمى عائلته إلى الآفرانتولار أو لإحدى العشائر التركية التى هاجرت إلى الأناضول فى القرن الرابع عشر والخامس عشر، ثم استقرت فى سلانيك، وفى عام 1888 فقد والده، فقبع بجانب أخيه حسين فى مزرعة “رابلا”، منغمسًا فى أعمال المزرعة تاركًا تعليمه ومن ثم قررت والدته العودة إلى سالونيك وأن يكمل أتاتورك تعليمه هناك
وفي عام1897 بدأت حرب بين الدولة العثمانية واليونان فأراد مصطفى كمال التطوع فيها لكن ذلك لم يتحقق؛ لكونه طالبًا فى المرحلة الثانوية وسنه لم يتخط السادسة عشر عامًا، أنهى المرحلة الثانوية بتفوق، حيث احتل المركز الثانى على مستوى المدرسة، وفى الثالث عشر من مارس 1899، التحق بالمدرسة الحربية، حيث تخرج فى الحادى عشر من يناير 1905 برتبة رئيس أركان حرب مواصلًا التعلم فى مدرسة أركان حرب.
انتخب مصطفى كمال – نائب مدينتي بالا وأنقرة – كأول رئيس للجمهورية التركية بتصويت 158 نائبًا ممن شاركوا في الانتخابات الرئاسية التي تمت عقب الإعلان الجمهوري. أجرى أتاتورك عدة تغييرات جذرية من شأنها إيصال تركيا إلى مستوى الحضارة المعاصرة. وطبقًا لدستور 1924، تبوأ مصطفى كمال منصب رئاسة الجمهورية ثلاث فترات أخرى “1927، 1931، 1935” وذلك بعد أن اختير من قبل المجلس الشعب التركي كرئيس في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1923.
ولكن قبل أن يتم اختياره كرئيس لتركيا، سبق ذلك أحداث كثيرة جعلته يظهر على الساحة السياسية، وهى قبل أشهر من انتهاء الحرب، تولى محمد “وحيد الدين” السادس، وبعد مرور شهر على توقيع هدنة مودروس، دخلت البحرية البريطانية والفرنسية والإيطالية ثم الأمريكية إلى القرن الذهبي، وأنزلت قواتها فى الآستانة التى حوّلتها إلى قاعدة لنشاط الحلفاء فى المنطقة كلها، سيطر الحلفاء على موانئ البحر الأسود كلها، واقتسموا الأراضى التركية، فاحتل الفرنسيون مرسين وأضنة، والإيطاليون أنطاكية وكوشا داسى وقونية، واحتل اليونانيون القسم الغربى من الأناضول، بالإضافة إلى تراقيا.
الحركة الكمالية
وبالتالي رفض الأتراك الخضوع للاحتلال والقبول بمشاريعه، فقامت ثورة وطنية فى جميع أنحاء البلاد احتضنتها الحركة الوطنية بزعامة القائد مصطفى كمال، والتى عرفت باسمه “الحركة الكمالية”، لتواجه خضوع الحكومة لرغبات الحلفاء وتعاون السلطان محمد السادس مع المحتلين.
وكانت بداية سقوط الدولة العثمانية عندما بدأ مناوئوا السلطان عبد الحميد إظهار اعتراضاتهم على أسلوب حكمه، لكن تلك الاعتراضات لم تصل حد الغليان إلا عام 1326هـ، حيث قام تمرد نظمته تنظيمات ليبرالية مثل تركيا الفتاة وجمعية الاتحاد والترقي، وشهد ذلك العام فقدان الدولة العثمانية أراض لها للقوى الأوروبية.
وعقدت الحركة الكمالية مؤتمرات عديدة لاستنهاض الوعى القومى وإنقاذ البلاد من التقسيم، وتشكلت حكومة وطنية برئاسة مصطفى كمال بهدف إقامة دولة تركية مستقلة، ألغت جميع القوانين والتعليمات التى أصدرتها الحكومة السابقة، ووضعت السلطان وحكومته خارج إطار القانون.
السلطان عبد المجيد أخر سلاطين الدولة العثمانية
وأصبح كمال أتاتورك سيد الموقف، حيث وقع معاهدة “لوزان” مع الحلفاء التى تنازل بمقتضاها عن باقى الأراضى العثمانية غير التركية، ثم جرد السلطان من السلطة الزمنية وجعله مجرد خليفة، أى أشبه بشيخ الإسلام، ولكن من غير سلطة روحية أيضًا، وتم إلغاء الخلافة سنة 1924 وطرد عبد المجيد من البلاد، وسقطت الدولة العثمانية بعد أن استمرت لما يقرب من 600 سنة.
هكذا سقطت الإمبراطورية العثمانية للأبد، وبدأت مرحلة الجمهورية الجديدة بقيادة كمال أتاتورك، أول رئيس للجمهورية التركية على أنقاض الدولة العثمانية. على وعد بلقاء الأسبوع القادم لنستكمل رحلتنا في بحر الحضارة المصرية وسرد تاريخها الحافل، دمتم في أمان الله.
كتبت: مروة مصطفى