محمد علي.. مؤسس الدولة الحديثة ومزلزل عرش الإمبراطورية العثمانية

لمن يتابعنا للمرة الأولى، تحدثنا في سلسلة مقالات مميزة عن الحضارة المصرية من بدايتها بشكل مفصل حتى وصلنا إلى الحضارة الغربية ودورها في الدولة العثمانية. اليوم نتحدث محمد علي باشا.
منذ بداية العالم وضُخ دم البشرية في عروق الحياة، خرجت للدنيا حضارة تعد عالما قائما بذاته، غيرت مجرى التاريخ ورسمت ملامح عظمتها على وجه الزمن، وكنا وما زلنا وسنظل نفخر بها حتى النهاية، ودائما نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة ونفتش عن الحضارة المصرية ونسرد ومضات تاريخية عن تاريخ الاسر المصرية القديمة.
فتحدثنا عن ومضات تاريخية للحضارة المصرية منذ البداية وعرفنا يعني ايه مصر أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن ننزل إلى الأعماق.
كما تحدثنا في المقال السابق عن الحملة الفرنسية على مصر وانهيار الصداقة الفرنسية العثمانية، واليوم نتحدث عن محمد علي باشا أقوى ولاة السلطان العثماني إلى الشرق العربي.
محمد علي باشا
استمرت المشاكل تنهال على الدولة العثمانية بعد سقوط الجزائر، وذلك أن والي مصر محمد علي باشا طمع في توسيع رقعة نفوذه بعد أن غدا أقوى ولاة السلطان العثماني في الشرق العربي، وكان السلطان محمود الثاني قد وعد محمد علي بأن يوليه على بلاد الشام لقاء خدماته الجليلة التي قدمها للدولة، لكنه عاد وأخلف وعده، إذ شعر أن وجود محمد علي في الشام خطرٌ على كيان السلطنة نفسها.
فقرر محمد علي أن يجتاح بلاد الشام بالقوة، فوجه جيشه إلى فلسطين وأخضعها، ثم زحف على مدن الساحل اللبناني وفتحها الواحدة تلو الأخرى، وسرعان ما لحقت بها سوريا الوسطى والشمالية، وامتد زحف الجيش المصري إلى الأناضول حيث هزم الجيش العثماني حديث النشأة في قونية، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من الآستانة، حتى خُيل للعالم في ذلك الوقت أن نهاية الدولة العثمانية أصبحت قريبة.
السلطان يستنجد بأوروبا
عقب هزيمة قونية، استنجد السلطان محمود الثاني بالدول الأوروبية للوقوف في وجه الخطر المداهم، فلم ينجده إلا روسيا، التي أرسلت 15 ألف جندي إلى الآستانة للدفاع عنها، فخشيت بريطانيا وفرنسا من امتداد النفوذ الروسي وتوسطت للصلح مع محمد علي، حيث أقر له السلطان بولاية مصر وجزيرة كريت وفلسطين ولبنان وأضنة، لقاء نفس الأموال التي كان يؤديها عن الشام الولاة العثمانيون من قبل.
وفي غضون ذلك توسّع النفوذ الروسي في الدولة خصوصًا بعد أن أبرم السلطان معاهدة مع روسيا تعهدت فيها الأخيرة بالدفاع عن الدولة العثمانية لو هاجمها المصريون أو غيرهم. عمل السلطان محمود الثاني في أواخر أيامه على استعادة الشام ومصر، فجمع جيشًا جديدًا، ونشط عملاؤه في الشام يحرضون الشعب للثورة على المصريين.
ثم سار الجيش وقام بهجوم عبر الفرات أسفر عن كارثة نزلت به، إذ بدده الجيش المصري في معركة نصيبين عام 1839م. ولم تصل أنباء هذه الهزيمة إلى السلطان محمود الثاني، إذ توفي قبل ذلك بأيام.
خلف السلطان عبد المجيد الأول أباه السلطان محمود الثاني، وهو صبيّ لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وكانت الدولة العثمانية على شفير الانهيار، إذ أصبحت بلا جيش، بفعل خسارة الجيوش العثمانية أمام المصريين، وتشتيت القوى المسلحة، وبلا أسطول، بفعل انضمام الأسطول العثماني طواعية إلى الأسطول المصري في الإسكندرية.
فسارع السلطان الفتى إلى إجراء مفاوضات مع محمد علي، فاشترط الأخير، لعقد الصلح، أن يكون الحكم في الشام ومصر حقًا وراثيًا في أسرته. وكاد السلطان عبد المجيد يقبل شروط محمد علي لو لم تصله مذكرة مشتركة من الدول الأوروبية الكبرى، عدا فرنسا، تطلب إليه بألا يتخذ قرارًا يتعلق بمحمد علي إلا بمشورتهم، ووعدوه بالتوسط بينه وبين محمد علي، فوافق على ذلك.
ثم اجتمعت كل من بريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا وعقدوا اتفاقية صدق عليها العثمانيون، وعرضوها على محمد علي، وهي تنص على بقاء ولاية مصر وراثية في عائلته، وولاية عكا مدى حياته، فرفض محمد علي ذلك وطرد المندوبين الأوروبيين والمندوب العثماني من مصر.
وبناءً على ذلك هاجمت البوارج الحربية البريطانية والنمساوية والعثمانية مدن الساحل الشامي واستطاعت أن تحرز انتصارًا كبيرًا على جيوش محمد علي بقيادة ابنه إبراهيم باشا، وأجبرته على العودة إلى مصر والانكماش فيها، وبذلك عادت الشام إلى ربوع الدولة العثمانية، وأصبحت سيادة الدولة على مصر سيادةً اسميّة.
أسباب ضعف محمد علي
1. ضعف إدارته وقراراته في فترة متأخرة:
- تدهور صحته:
أصيب محمد علي بمرض الدوسنتاريا الحادة، مما أثر على قدرته على اتخاذ القرارات الحاسمة بشكل فعال.
- رفض التغيير:
لم يكن محمد علي مستعدًا للتكيف مع التغيرات في العالم، مثل التطورات العسكرية في أوروبا، مما جعله يفشل في مواجهة القوى الأوروبية.
- قرارات غير حكيمة:
اتخذ محمد علي بعض القرارات التي أضرّت بمصر، مثل رفضه الإذن لإبراهيم باشا بسحب الأسطول المصري في معركة نافارين، مما أدى إلى تدميره.
2. ضعف الجيش المصري:
- عدم قدرة على مواكبة التطورات العسكرية:كان الجيش المصري يعتمد على التجنيد الإجباري، وهو ما أدى إلى ضعف في روح المعركة وقدرة الجنود على مواجهة القوى العسكرية الأوروبية.
- عدم وجود استراتيجية عسكرية حديثة:
لم يكن الجيش المصري مجهزًا بالأسلحة والتقنيات الحديثة التي كانت تستخدمها القوى الأوروبية.
3. التدخلات الأجنبية:
- الدول الأوروبية:دخلت الدول الأوروبية، مثل بريطانيا وفرنسا، في صراعات مع محمد علي، مما أدى إلى انكسار شوكته وتقليص نفوذه في المنطقة.
- معاهدة لندن:
تم فرض معاهدة لندن على محمد علي، والتي ألزمته بسحب قواته من سوريا والجزيرة العربية، مما أضعف نفوذه في المنطقة.
4. عوامل داخلية:
- المقاومة الشعبية:
شهدت مصر مقاومة شعبية ضد حكم محمد علي، مما أضعف حكمه.
- الخلافات مع العثمانيين:أدى الخلاف بين محمد علي والدولة العثمانية إلى ضعف في قدرة محمد لي على الحكم.
نأتي وإياكم إلى نهاية مقالنا والذي تحدثنا في سطوره عن فترة حكم محمد على وشرحنا أسباب ضعف قوته بعد ما ملك مصر وتصدى للدول الأوربية بقوة، لكن الأخيرة لم تمكنه من ذلك واجتمعت عليه واستطاعت أن تكسر شوكته، فضلا عن بعض العوامل الأخرى والتي ذكرناها في مقال اليوم.
على وعد بلقاء الأسبوع القادم بأذن الله، دمتم في أمان الله.
كتبت: مروة مصطفى