ظهرت أولى ملامح الماسونية في العصر القوطي المتأخر بين القرن 13 والقرن 16، وهو العصر الذي ظهرت فيه أولى ملامح عصر النهضة في أوروبا، وكانت نهضة البناء واحدة من أهم ملامح هذه النهضة، فظهرت أجمل المباني والأبراج الضخمة والقاعات العظيمة والبوابات المهيبة، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في شهرة البناءين المعماريين، ويقصد بالبناءيين هنا المعماريين وليس العمال.
المعماريون الذين درسوا الهندسة والفيزياء، من ثم أصبحوا صفوة المجتمع في أوروبا، وبدأت وقتها فكرة التجمعات والأخويات وغيرها من المصطلحات التي تدعو لتجمعهم لمناقشة أمورهم الحياتية وقضاياهم المجتمعية، ثم تطورت هذه التجمعات للمعماريين الكبار لينقلوا خبراتهم وأفكارهم للشباب منهم.
وتقول مصادر مطلعة إن الماسونية أساسا لها ثلاث أفرع أساسية أولها يسمى “المحفل الأزرق”، وهو مكون من ثلاث درجات، وتبدأ بدرجة “تلميذ الصنعة المستجد” ثم تليها “زميل الصنعة” ثم تليها “البناء المعلم”.
وعلى الرغم من أن الماسونية ليست مجتمعًا سريًا، فى حد ذاته، إلا أنها تحتوى كلمات مرور وطقوس سرية تعود إلى العصور الوسطى، وتقول “مارجريت جاكوب” أستاذة التاريخ فى جامعة كاليفورنيا، ومؤلفة كتاب “عيش التنوير: الماسونية والسياسة فى أوروبا القرن الثامن عشر” كانت هناك ثلاث مراحل للمنظمة هى المبتدئ، والزميل، والرئيسى الذى يشرف على كل شخص ينضم للجماعة.
رموز الماسونية
تواصل الماسونيون منذ فترة طويلة باستخدام الرموز المرئية المستمدة من أدوات البناء الحجرى، واستخدمت المجموعة “العين”، التى يطلق عليها “عين العناية الإلهية” على الرغم من عدم تصميمها بواسطة الماسونيين، وكذلك “المربع والبوصلة”، ويصور مربعا مرتبطا ببوصلة، ويظل الحرف “G” فى مركزه محل نزاع، ويعتقد بعض الخبراء فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، على سبيل المثال، أن الحرف “G” فى مركز الرمز يمثل الهندسة، وهو مجال حاسم بالنسبة إلى الماسونيين الأوائل، بينما يعتقد البعض الآخر أنه يمثل الله، “المهندس الكبير للكون”، ويظل المربع والبوصلة رمزًا شائعًا فى الحلقات الماسونية.
فكرة التكافل الاجتماعي من مبادئ الماسونية
أثناء مناقشة أحوالهم وشؤونهم الحياتية، جاءت فكرة التكافل الاجتماعي، بغرض حماية من يعملون في المهنة من أخطار البناء والإصابات الناتجة عنه، وظهرت لأول مرة فكرة تشبه النقابة، ما لفت نظر المجتمع الأوروبي لهم وأصبحوا موضع احترام وتقدير، وما لفت الإنتباه لهم أكثر وضع لغة سرية لهم لا يفهمها ولا يفك طلاسمها غيرهم، وساعدتهم طبيعة المجتمع في العصر القوطي الشغوف بالتميز والاختلاف على تمني أفراده الإنضمام إليهم والدخول في عالمهم الساحر الغامض.
انتبهت الحكومة والملك لما يقوم به أعضاء منظمة الماسونية أو البناءيين الأحرار من بناء مجتمع ينمو مع الوقت، فعرضت عليهم أن ينظموا لهم ما يشبه النقابة تقع تحت مظلة الدولة، لكنهم رفضوا الإنسياق وراء هذه الدعوة، بدعوى عدم حاجتهم لهذه المظلة، فقد نظموا مجتمعهم ووضعوا له الأسس والقواعد المنظمة له وكانوا فخورين بهذا الإنجاز والتنظيم الذي وضعوه بأنفسهم وقالوا “نحن أحرار”.
لقب البنائين الأحرار
من هنا يأتي لقب البنائين الأحرار، ومع الوقت تبدو ملامح القرن 16 في الإختفاء، ويقل الاهتمام بالبناء ويبدأ هذا التجمع في الإنتهاء وتبدأ رحلة البحث عن أعضاء بعد إنهيار واضح للحركة، وهنا بحثت الحركة عن سبل جديدة لتحافظ على وجودها واستمرارها، من هذه السبل إنضمام أعضاء جدد بعيدا عن منهة البناء والتشييد، وساعد أعضاء هذه الحركة سمعتها المنتشرة في ربوع أوروبا.
وبدأت الحركة في الترويج لعضويتها مقابل مبلغ رمزي، وبدأ رجال المجتمع والصفوة في الإنضمام إليها كنوع من الوجاهة الإجتماعية، كمن يدفع مبالغ للحصول على لقب البيه والباشا في خمسينيات القرن الماضي. مع الوقت يصبح أعضاء الحركة أناس لا ينتمون للبناء، ومع دخول القرن 18 يبدأ عصر التنوير حيث الإهتمام بالعلم والمنطق.
واتجهت الأنظار للحركة كأول مجتمع منظم باقي وصامد أمام الزمن. في عام 1717 تخطو الماسونية أولى خطواتها نحو البداية وتصبح منظمة حقيقية بواسطة اربعة أشخاص من الحركة يندمجون سويا ويكونوا اول محفل ماسوني ويشرعوا في كتابة الدستور الماسوني واهم مبادئه:
- حرية الفكر والضمير.
- السعى وراء تحقيق السعادة.
- المساواة في الحقوق.
- عدم التمييز العرقي أو الديني أو العقائدي.
تطور الماسونية عبر الزمن
منذ هذا الحين وتحولت الحركة من جمعية مهنية لمنظمة ليست لها علاقة بمهنة البناء أو المعمار، من ثم تظهر المنظمة بديلا عن الكنيسة فقد بدأت الأخيرة في فقد هيمنتها على أوروبا وحلت محلها هذه المنظمة، فهي ببساطة تمارس الطقوس كالكنيسة وتساعد الفقراء والضعيف، ولكنها لا تمت للكيانات الدينية بصلة.
فهو كيان يقدم نفسه بأنه كيان يشجع العلم والحرية والعقل، مع الحفاظ على فكرة التضامن بين الأفراد والجماعة، كل هذه المعطيات مجتمعة شجعت المئات على الانضام لهذه المنظمة وأصبحت مثار فخر لمن ينتمي إليها، وانتشرت الماسونية في أوروبا بكل ما تحتاجة كل دولة، فالجزء البروتسانتي من أوروبا وجد ضالته في هذه المنظمة، لما تدعو له من حرية الفكر والضمير.
في نفس السياق، حظيت منظمة الماسونية بدعم كبير وانضم إليها القادة والصفوة، فقد وصلت المحافل الماسونية إلى 630 محفل في باريس وحدها، ففي عام قيام الثورة الفرنسية، أي عام 1789 كان زعماء الثورة من أعضاء الماسونية ووضعت الأسس لهذه الثورة بواسطة الماسونيين، ما جعل أعداء الثورة الفرنسية يلقون إليها بالتهم التي تصاحبها طيلة الوقت.
من هذه التهم أن منظمة الماسونية هدفها التدمير والخراب وتفجير ثورات دموية واعدام الملوك ورجال الكنيسة، فهي تدعو للفوضى وليس صحوة الضمير ومساعدة الضعيف كما يروج لها. في الوقت ذاته كان الدستور الأمريكي قيد التحضير، وقد وقع على الدستور 13 شخصا من أصل 33 وهم أعضاء في منظمة الماسونية.
الثورة الصناعية في إنجلترا
نأتي للثورة الصناعية في إنجلترا وانتعاش الاقتصاد، وجدير بالذكر قيام رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال بهذه الثورة وليس الشبان الثوريين، ووجد رجال الأعمال أن الإنضمام للماسونية يزيد من وجاهتهم وشعبيتهم، وظل مبدأ التكافل الاجتماعي وهو المبدأ الذي بنيت عليه حركة البناءين الأحرار الأوائل ومبدأ الأخوية قائمين منذ نشأتها.
من ناحية أخرى، عكفت الماسونية على ضم العمال ومساعدتهم في أمورهم المعيشية فوفرت العلاج والمساعدات العمالية، في الوقت الذي تجاهلت فيه مؤسساتهم ومصانعهم منحهم حقوقهم، فوجدوا ملاذهم الأمن في منظمة الماسونية وباتت بمثابة وزارة التضامن الإجتماعي لهؤلاء العمال.
مع الوقت تدثرت الماسونية بالغموض، أثار أمرها الشك والريبة، لا سيما مع انتشارها عبر الدول والقارات وإنضمام الرؤوساء والملوك إليها، فضلا عن نظامها الصارم وهيكلها المنظم بشكل محكم، يجعل من المستحيل الإنضمام إليها بسبب الشروط المعقدة والتحريات المطلوبة عن كل شخص يريد الإنضمام إليها.
ذلك بخلاف تشوية تاريخها عبر الزمن، حيث ألصق أعضائها تاريخها لأبعد من عام 1717، وروج الماسونيين أن تاريخهم يرجع للسيد المسيح، بل وأبعد من ذلك منذ طوفان سيدنا نوح، ومنهم من يرجع تاريخها لبني إسرائيل بعد خروجهم من مصر، وأحيانا يقولون كذبا أنها ترجع للمصريين القدماء وعهد إيزيس وأوزوزيس.
بناء عليه، أدى تزوير التاريخ وتلفيق الأكاذيب لنشأة الماسونية لتجذر فكرة الشك والريبة في نفوس الكثيرين حول العالم. وحدث الشيء نفسه عندما دخلت الماسونية للوطن العربي نتيجة تأثر العرب بالثقافة الغربية، وبدأ الماسونيين العرب ينسبون الماسونية لتاريخهم.
وتبدأ الكنيسة تتنبه لطقوس الماسونيين وكيف يفعلونها ليس للمسيح أو الرب، ولكنهم يؤدونها لما يسمى مهندس الكون الأعظم، من هنا جاءت تحذيرات العديد من الباباوات للفاتيكان حول العالم من هذه المنظمة واعتبروا الإنضمام لهذه المنظمة خطيئة كبيرة لكل مسيحي.
ثم ترتبط الماسونية بالصهيونية العالمية، فعميد عائلة روتشيلد وهي أغنى عائلة في العالم وتتحكم في الإقتصاد العالمي عضو في المنظمة الماسونية وكذلك عضو مؤثر في الصهيونية العالمية، ويعد واحدا من أكبر الداعمين والمتبرعين للصهيونية العالمية في العالم.
الماسونية وهيكل سليمان
لأن الماسونية روجت لتاريخها بأنه مرتبط بالمسيح تارة، كذلك أطلقت لخيالها العنان لتروج بأنهم هم من بنوا هيكل سليمان تارة أخرى، الأمر الذي دعا العديد من علماء المسلمين يوجهون العداء للماسونية، ويحرمون الإنضمام إليها وتخرج فتاوى من الأزهر تحرمها.
مع الوقت ارتبطت الماسونية بالصهيونية العالمية، وأنها جزء من مؤامرة كبرى تحاك ضد الدول والحكومات، وتبدأ الصحوة في الدول الغربية، تبدأ من أمريكا ثم تنتقل للدول العربية، جمعها هدف واحد فقط وهو تحريم الماسونية والتحذير منها كونها منظمة سرية تلتف بالغموض وال.
ويظل السؤال الأهم مطروحا ولم يجيب عنه أحد وهو: لماذا هذه السرية التي تحيط بالماسونية وهذا النظام الطبقي الذي يحكمها، والغموض حتى داخل سرادبيها فكل طبقة فيها تخفي أسرارها عن الطبقة الأخرى، ولماذا العضوية سرية والاجتماعات والمحافل سرية، وكيف يضم الأعضاء الملوك والثوار على حد سواء؟.
كلها أسئلة مشروعة لكنها لا تجد من يجيب عليها إجابات شافية للصدور، حيث يأتي الرد من أعضاء المنظمة بأن هذه الأمور لا تهم احدا فهي رموز وإشارات للتعارف بين أعضاء المنظمة، ويعولون على أن هذه السرية تعمق التفاهم والتأزر بين الأعضاء؛ لتحقيق أهدافهم النبيلة وهي نشر السلام والخير في العالم.
منظمة سرية مشهورة
عندما فقدت المنظمة سريتها وأصبحت مشهورة، وانتشرت تعاليمها وطقوسها ونظامها، أخذت نصيبها من الشهرة ثم انزوت، وبرغم من أن عدد أعضائها فاق الملايين حول العالم، إلا أنها مثل الشمس تشرق وتغيب فهي ظاهرة للجميع، لكن لا أحد يحسم الجدل بشأنها أو يثبت بأنها تحكم العالم أو أنها تعبد الشيطان وما إلى ذلك.
مشاهير الماسونيين فى كل مكان
يمكن العثور على عدد من الشخصيات دارت حولهم مزاعم أنهم ماسونيين منهم، جورج واشنطن كان ماستر ماسون، وبنجامين فرانكلين كان عضوًا مؤسسًا لأول نزل ماسونى فى أمريكا، وكان الرئيسان فرانكلين روزفلت وجيرالد فورد من الماسونيين.
وكذلك رئيس وزراء بريطانيا العظمى ونستون تشرشل، كان وولفجانج أماديوس موزارت وديفى كروكيت وهنرى فورد والممثل جون واين ورائد الفضاء باز ألدرين من الماسونيين أيضًا. كذلك هناك مشاهير عرب ينتمون للماسونية منهم سعد زغلول وجمال الدين الأفغاني وغيرهما.