ماذا لو قلت لك أن هناك في مكان ما في العالم، توجد مخطوطة أو كتاب يحتوي على صورة الشيطان الحقيقية، بل وسُطرت صفحاته بمساعدة الشيطان نفسه، واستغرقت كتابته ليلة واحدة مع إنه يحتوي على 310 صفحة بل أكثر بكثير؟ هذه المعلومات حقيقية وليست أسطورة وتعرف باسم مخطوطة جيجاس.
تعرف مخطوطة جيجاس باسم كتاب الشيطان (باللاتينية: Devil’s Bible) بسبب الاعتقاد بأن الشيطان أحد مؤلفي الكتاب. يُعتقد أنه تم كتابتُه بالقرن الثالث عشر في أحد كنائس الرهبنة البندكتية في بوهيميا (جمهورية التشيك حاليا)، ويحتوي على نُسخة فولجاتا من الكِتاب المُقدّس، بالإضافة للعديد من الكِتابات الآتينية التارِيخية. تَم أخّذ الكِتاب كغَنِيمة مِن قِبل السويد أثناء حرب الثلاثين عاما، والآن يتِم الاحتفاظ بِهِ داخل المكتبة الوطنية السويدية في ستوكهولم وهو معروض هناك.
يرجع تاريخ الكتاب للعصور الوسطى، وهو أكبر كتاب على وجه الأرض، إذ يبلغ وزن كتاب الشيطان مخطوطة جيجاس حوالي 75 كيلوغرام وبحسب الدارسين فإنه يحتاج إلى رجلين لحمله. أما عن طول كتاب الشيطان مخطوطة جيجاس فيبلغ 91 سم وعرضه 50.5 سم ويبلغ من السمك حوالي 23 سم.
شكل مخطوطة جيجاس
- الغلاف الخارجي للكتاب عبارة عن قطعتين من الخشب يثبتهما مع الأوراق وتد خشبي محفور.
- أوراق الكتاب من جلود الحيوانات.
- لكتابة هذا العدد من الأوراق تطلب الأمر سلخ ما يقارب 150 حيوان.
وقد اختلف العلماء حول ما إذا كانت الجلود المستخدمة لحمير أم عجول صغيرة. تحتوي مخطوطة جيجاس على الكتب المقدسة القديمة، وبعض المعلومات والممارسات التي كانت سائدة في العصور الوسطى. ويقدر عمر الكتاب بـ 800 عام أي أنه يعود إلى القرن الثالث عشر، وبحسب الباحثين والمؤرخين كُتبت صفحات الكتاب أو مخطوطة جيجاس بيد الرهبان في إحدى الرهبانات القديمة في بوهيميا سابقا والمعروفة حاليا بالجمهورية التشيكية.
ما قصة مخطوطة جيجاس؟
عثر الباحثون على معلومة هامة جدا في الصفحة الأولى من الكتاب، وهي أن الكتاب أهدي من هذه الرهبنة والتي عرفت باسم بودلازيك موناستري عام 1295 إلى رهبنة أخرى في بوهيميا. أما سبب كتابة كتاب الشيطان أو مخطوطة جيجاس نسرده في السطور التالية:
هناك أقاويل مفادها أنه حكم على راهب من القرون الوسطى، بأن يُعلق جسده وهو حي لنقضه وعود الرهبانية، ولتجنب العقاب، وعد الراهب بكتابة كتاب يحتوي جميع المعارف الإنسانية في ليلة واحدة. ومع اقتراب منتصف الليل، أصبح الراهب يائسا وتذرع إلى الشيطان وكتب الطقوس والتعاويذ المحرمة؛ للحصول على المساعدة، وقدم روحه للشيطان مقابل انهاء الكتاب.
ووافق الشيطان على هذا العرض، وأضاف توقيعه على الكتاب بصورة ملونة له على احدى الصفحات، وهو محاط ببرجين طويلين. وأشار تقرير صادر عن” National Geographic” منذ عدة سنوات نشرته صحيفة أر تي، بشأن تحليل خط اليد، الذي خُط به الكتاب، من قبل عالم الخط مايكل جاليك، بالمكتبة الوطنية في السويد، والذي أشار إلى أن الكتاب لم يؤلفه شخص واحد بالكامل، فقد خط الكتاب بحبر صنع من حشرات مسحوقة، وهو ما جعل جاليك يرجح أنه من غير الممكن أن يستخدم شخص واحد أنواعا مختلفة من الحبر.
وهناك سبب أخر يستحيل معه تصديق أن هذا الكتاب كتبه شخص واحد، وهو أن إعادة كتابة المخطوطة تستغرق خمس سنوات من الكتابة دون توقف، وفق التقارير التي نشرت حولها. وذكر التقرير أنه “من الواضح أن المؤلف كان مدعوما بشيء ما؛ ليتمكن من كتابة هذه المخطوطة الضخمة، سواء كانت قوة النور أو قوة الظلام”.
محتوى كتاب الشيطان “مخطوطة جيجاس”
بحسب المؤرخين كُتبت سطور هذا الكتاب في العصر البوهيمي ومن قبل راهب أو رهبان بوهيميين، الأمر الذي يدل على أن الكتاب يحتوي على تعاليم دينية. عبارة عن نصوص مقدسة وكُتب بشكل أنيق باللغة اللاتينية انجيل فولجاتا وهو نسخة من الكتاب المقدس من القرن الخامس الميلادي، وهو النص الرسمي المقبول من الكنيسة الكاثوليكية. أحد أبرز ما نصه الكتاب بالإضافة إلى النصوص التالية ما يلي:
- كتاب العهد القديم.
- آثار اليهود للمؤرخ الإغريقي فلافيوس جوزيفوس من القرن الأول الميلادي.
- حرب اليهود لنفس المؤرخ.
- موسوعة قديمة بعنوان etymology من القرن السادس الميلادي.
- أحداث بوهيميا للمؤرخ كوزماس.
- مجموعة من النصوص الطبية باسمه art medicine.
- كتابين في الطب الفيزيائي والعالم القديم The African continent.
- لائحة بأسماء الرهبان في أول دير استقر الكتاب فيه أي دير بودلازيك.
- رزنامة أو إصدار سنوي بالتقويم بأسماء أشخاص تواجدوا في فترة زمنية محددة.
- رزنامة أخرى بأسماء رهبان وأناس بوهيميين ذوي شأن مع تواريخ تكريمهم.
- سجل تاريخي لأحداث محلية.
- الأبجدية العبرية والإغريقية والبوهيمية القديمة.
- تعاويذ ولعنات سحرية لم يفهم معناها إطلاقا.
- نصوص تخص عمليات طرد الشياطين والجن والتي كانت رائجة في العصور الوسطى.
- عدد من الصلوات والترانيم والتي رجح العلماء أنها تخص الأديرة البوهيمية القديمة.
هذا ولم يقف الأمر على النصوص الدينية والتاريخية بل شمل الكتاب أيضا:
- العديد من الرسومات التي تجسد حيوانات ونباتات وهندسات معمارية مختلفة.
- كما أن الشخصيات الشيطانية وساكني الجحيم كان لهم حضورًا بارزًا في الكتاب، بالإضافة إلى مظاهر السماء المختلفة.
صورة حقيقية للشيطان
تحتوي مخطوطة جيجاس على رسمة محددة كانت مصدرا للجدل والاستغراب الشديدين، فقد وجدت في الصفحة 577 علما بأن كل ورقة في الكتابة لها وجهين أي صفحتين. في هذه الصفحة من أعلاها إلى أسفلها صورة مرسومة ملونة تصف للشيطان على حقيقته، بوجهه الأخطر واللسان الأحمر المشقوق، فضلا عن القرنين والأظافر الطويلة الحادة المعقوفة على يديه ورجليه.
الشيطان يرتدي رداءا ملكيا دلالة على أنه أمير الظلام ويجلس بين برجين طويلين. في الكتب القديمة رسم الشيطان كان طبيعيا إلا أن الغريب في هذا الرسمة سبب دخول الشيطان بين النصوص الدينية، والأغرب من هذا هو النص الذي سبق صورة الشيطان، فهو عبارة عن عملية كاملة لطرد أرواح شيطانية، فيما تُعرف باسم exorcism في مقابل هذه الصفحة تماما رسم تفصيلي لمدينة الجنة بأمنية وأبرز عالية خلف الجدار باللون الأحمر. وقبل هذه الرسمة نص يدل على الإحساس بالذنب والندم وطلب المغفرة.
بالرغم من هذه المعلومات إلا أننا لا نجزم بأن هذه الرسمة هي صورة الشيطان الحقيقي، أو أن مخطوطة جيجاس ساهم في كتابتها شيطان، وسيبقى الأمر مرهونا بمدى استيعابنا لهذه المسألة من عدمه.