لا يخفى على أحد ما يحدث في غزة، وهذه الدماء المراقة في المدينة ورائحة الموت التي تفوح من الجثث والبنابات، والجوع الذي ينهش البطون كالكلاب الجائعة، والأمراض المنتشرة في ربوع المدينة المنكوبة، لكننا هنا اليوم لنقول لا، ليست هذه هي النهاية فالعالم يتغير ويثور للإنسانية. أولهم الحاخامات اليهود أنفسهم الذين ينظمون الوقفات الاحتجاجية، التي تصرخ بعدم وجود دولة في الأساس تسمى اسرائيل، ليعود للواجهة مسألة لعنة العقد الثامن وتسيطر على العالم، فما هي؟.
ترجع فكرة “لعنة العقد الثامن” إلى رواية يكاد يتفق عليها المؤرخون الذين يتناولون تاريخ الوجود اليهودي السياسي في فلسطين، وهي أن اليهود عمومًا أقاموا لأنفسهم في فلسطين على مدار التاريخ القديم كيانين سياسيين مستقلين، وكلا الكيانين تهاوى وآل إلى السقوط في العقد الثامن من عمره.
ما يحدث في العالم من صحوة قوية تزلزل الأرض تحت الكيان، ليست طبيعية على الإطلاق، فقد خرجت بعض الشعوب تصرخ لتوقف الحرب الشعواء على المستضعفين، وامتلأت الشوارع بمن يتحدثون غير اللغة العربية، ينادون باستيقاظ الضمير، ليس ذلك فحسب، لكن خرج بعض الحاخامات اليهود أنفسهم ليؤكدوا للعالم عدم شرعية قيام دولة اسرائيل.
بل أن هناك يهود يعيشون على الأرض الفلسطينية، يرفضون ما يقوم به الكيان من انتهاكات صارخة ضد الشعب الأعزل، ويجزمون بأن اليهود ممنوعين من إقامة دولة لهم وهذا الكلام ليس وليد الأحداث الأخيرة، فهناك حركة تسمى حراس المدينة تعتبر اسرائيل دولة غير شرعية، اغتصبت دولة من أصحابها وتعمل على إبادة الشعب عن بكرة أبيه، لكن الشعوب لا تموت والدول لا تختفي، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها فلا بد لليل أن ينجلي.
حركة حراس المدينة
اسمها ناطوري كارتا وهي حركة يهودية حريدية ترفض الصهيونية بكل أشكالها وتعارض وجود دولة إسرائيل، تعدادهم يقارب 5 الاف شخص، موجودون في القدس ولندن ونيويورك، وهي جماعة دينية يهودية أسست عام 1935، تعارض هذه المجموعة الصهيونية وتنادي بخلع أو إنهاء سلمي للكيان الإسرائيلي، وإعادة الأرض إلى الفلسطينيين.
تمتلك هذه الحركة قناعة راسخة، بأن اليهود يُمنعون من الحصول على دولة خاصة بهم حتى نزول المسيح، ويتمركز أتباع هذه الجماعة في البلدان المذكورة آنفا. يقول أعضاء هذه الحركة أن التوراة الحقيقة في تعاليمها بنيت على 3 مبادئ: المبدأ الأول عدم قيام أي دولة لهم أو السيطرة على أي بقعة من بقاع الأرض، أما المبدأ الثاني: ألا يعودوا لأرض الميعاد في وقت واحد وبأعداد كبيرة، والمبدأ الثالث هو الشتات المكتوب عليهم في كل الأرجاء حتى يوم القيامة وهو عقاب إلهي.
ويجزم هؤلاء أن تحريف التوراة لتخدم مصالح هؤلاء القتلة، ستقودهم حتما للزوال، كما حدث مع الممالك اليهودية القديمة وهما اثنتين، انتهت المملكة الأولى على يد نبوخذ نصر بعد انتشار الخلافات والصراعات، أما المملكة الثانية فكانت نهايتها على يد الملك البابلي بيردوس، ويقال أن أول مملكة انهارت على يد الملك جالوت الذي قتله نبي الله داوود.
تحديد وقت زوال اسرائيل
الغريب في الأمر ترويج اليهود والحاخامات لنهاية اسرائيل وتحديد الموعد، فقد صرح بذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك في 2022 في صحيفة “يديعوت احرنوت”، وأظهر للعلن ما يدور في المنظمات اليهودية العالمية، وأنهم جميعا أجمعوا على زوال اسرائيل قبل عقدها الثامن. وهو التخوف السائد بين اليهود والساسة على حد سواء.
لعنة العقد الثامن
بعد المماراسات الوحشية من الكيان ضد الفلسطينين، عاد الحديث عن لعنة العقد الثامن ليكون الشغل الشاغل لجموع الشعوب حول العالم، فمن أين أتت هذه العبارة؟.
بحسب المعتقدات اليهودية، لم يشهد التاريخ تسجيل أي مملكة من الممالك اليهودية لأكثر من 80 عاما، وتم تسجيل مملكتين فقط وهما: مملكة داوود وسليمان ومملكة الحشمونائيم. سلالة الحشمونئيم (142- 63 ق. م)، وكان أول من تولى قيادة اليهود هو متتياهو المنحدر من عائلة الكهنة الحشمونائيم، ثم ابنه يهودا المكابي، حيث دخل اليهود مدينة أورشليم ليطهروا الهيكل (سنة 164 ق. م.) ، وهو حدث يتم الاحتفال بذكراه سنويا من خلال عيد حانوكاه.
تعد بداية الكيان الثاني عند قيام “مملكة الحشمونائيم” حوالي عام 140 ق.م خلال فترة الحكم اليوناني لفلسطين، نتيجةً لثورة يهودا المكابي، ولكن هذه المملكة دخلت في العقد الثامن من عمرها كذلك في طور الفوضى التي أدت إلى سقوطها. ولم يقم لليهود أي كيان مستقل سياسيًا في فلسطين على مدار التاريخ غير هذين الكيانين.
بعد نهاية العقد الثامن من قبام المملكتان تفككتا نهائيا، فبحسب التاريخ اليهودي تفككت مملكة سيدنا سليمان بسبب انتشار الفساد والمعاصي بعد موت الملك سليمان، من ثم انقسمت المملكة إلى مملكتين، مملكة اسرائيل الشمالية وعاصمتها نابلس ومملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها القدس، وزالت المملكتان على يد الملوك الأشوريين والبابلين، حيث زالت مملكة اسرائيل على يد الملك تجلات بلاسر الثالث، في حين زالت مملكة يهوذا على يد الملك بوخذ نصر.
بالرجوع لقيام مملكة الحشمونائيم والتي قامت بعد زوال مملكة يهوذا، فقد قامت هذه المملكة على أرض الميعاد “فلسطين” بحسب المعتقد اليهودي، الأمر الذي يخالف تعاليم التوراة وفقا لما يعرفه اليهود أنفسهم، وكانت هذه المملكة قوية جدا، ولكن بعد نهاية العقد الثامن من عمرها، أي بعد 80 عاما من قيامها، شهدت صراعات داخلية أدت إلى هيمنة ممالك أخرى عليها، وكان هلاكها على يد الجمهورية الرومانية وملوكها.
إذا نهاية ممالك اليهود في العقد الثامن من عمرها أصبح هاجسا يؤرق اليهود حول العالم، وما يحدث من صراعات داخلية بين القائمين على الحكم الصهيوني لا يخفى على أحد، الأمر الذي يؤكد حديثنا عن إنهيار اسرائيل ولعنة العقد الثامن فالتاريخ يعيد نفسه.
فقد أشرفت مملكة اسرائيل الحديثة على الانهيار، والتي بدأت العام 1948 بعد وعد بلفور الشهير، وقد احتفلت هذا العام بمرور 75 عامًا على قيامها؛ أي أنها الآن في منتصف عقدها الثامن. وهو ما يثير مخاوف الساسة في إسرائيل من أن تكون هناك علاقة وثيقة بين العقد الثامن وسقوط أي كيان سياسي يهودي على مر التاريخ.
علينا أن ندرك جيدا، أن ما يحدث في غزة هو بداية النهاية، فالليل مهما طال ستشرق الشمس حتما، ومهما طالت المعاناة سيولد الأمل، ومهما اشتد الحبل سينقطع لا محالة. كلنا يقين بنهاية الغمة وتحرير الأرض مهما كان الثمن ومهما طال الزمن.