مدينة ديرينكويو أو مدينة الجن هي مدينة أثرية غامضة لا تشبه غيرها من المدن، مكانها تحت الأرض ليس فيها ما يشير إلى أن البشر هم من قاموا ببنائها، احتار العلماء فيها، ولم يستطيعوا حتى اليوم فك شفرتها أو حل الألغاز والغموض المثير حولها. في جولتنا لمعرفة الموضوعات المثيرة حول العالم، لفت انتباهنا هذه المدينو الغامضة التي بناها الجن وعمرها البشر.
تقع مدينة ديرينكويو في محافظة نوشهر في منطقة وسط الأناضول بـ تركيا وهي مقر مقاطعة ديرينكويو، مبنية تحت الأرض واسمها يعني البئر العميق، يعود تاريخ بناؤها إلى قرون ما قبل الميلاد، تتسع لما يقارب 50 ألف نسمة، وبالفعل سكنها 20 ألف نسمة على مر العصور، بحسب تقدير العلماء.
مدينة ديرينكويو
تشبه المدن الأثرية إلى حد كبير، فهي تحتوي على منازل مبنية على الطراز القديم، وممرات ضيقة وأخرى واسعة، كما تضم أبار وممرات مائية استخدمت لخدمة سكان هذه المدينة، ليس ذلك فحسب بل يوجد بها المدارس ودور العبادة والمقابر أيضًا. ولكنها مبنية بالكامل تحت الأرض على عمق أكثر من 85 مترا تحت سطح الأرض.
تغطي مساحة 400 ألف متر مربع، هذا وليس هناك رواية حقيقة لاكتشاف مدينة ديرينكويو، فهناك من يقول أن اكتشافها نتاج حفر قامت به الحكومة التركية لغرض ما، فيما يؤكد أخرون أنها اُكتشفت بالصدفة من قبل سائحين في المدينة. أما بعض السكان المحليين فلهم رواية أخرى.
وهي أن أحد سكان المدينة قام بهدم أحد جدران منزله عام 1963، بهدف التوسيع ثم تفاجئ بوجود غرفة فدخل إليها، ثم عثر على عشرات الغرف الأخرى، وظهرت المدينة للعلن عام 1969.
مدينة متفردة
هناك العديد من الأسباب لجعل مدينة ديرينكويو من أغرب المدن على الإطلاق، عدا كونها مبنية بالكامل تحت الأرض، فقد صممت المدينة على شكل طبقات، تعادل مبنى مكون من 8 طوابق، وتغوص هذه المباني بعمق الأرض.
هذه المدينة لم تكن تحتوي على مساكن للعيش ومطابخ وممرات فحسب، بل ضمت أيضا غرفا لعصر النبيذ وإسطبلات وغرف دينية وحتى مقابر كبيرة أيضا، فالواضح أن الهدف من بناء هذه المدينة تحت الأرض هو الاحتماء والتخفي من أي خطر، حيث كانت بمداخل هذه المدينة صخور كبيرة تتدحرج لسد المنافد ومنع دخول أي خطر.
يعود تاريخ بناء الطبقة الأولى إلى 1400 عام، أما الطبقات الأعمق فيعود تاريخها إلى أقدم من ذلك بكثير، يوجد بالمدينة أنفاق طويلة بطول 8 كيلو مترات، تقود إلى أنفاق أخرى، وبحسب العلماء هناك عدد من الشعوب استوطنوا هذه المدينة، ويقولون أن هناك شعب هرب من الحروب البيزينطية وعاش بها لفترة طويلة.
هندسة مدينة ديرينكويو صعبة ودقيقة ومدهشة فهي مبنية داخل صخور بركانية لينة والتي تتطلب بناء أعمدة أساس تتحمل طبقات الأرض، ما يعني أنها بنيت من مواد بناء دقيقة جداً؛ حيث تم التعامل مع تلك الصخور بعناية فائقة. لحد الآن تم اكتشاف 13 طبقة تحت سطح الأرض، ويوجد بهذه المدينة فتحات تهوية يبلغ عددها 15 ألف فتحة تهوية، موزعة على طول ممراتها تسهل دخول وتوفير الهواء النقي إلى أدنى الطوابق في المدينة بهندسة دقيقة وفريدة من نوعها.
كما يوجد عدد كبير من الغرف وفي الواقع بهذه المدينة مساحة كافية لإيواء أكثر من 20 ألف شخص! كما يوجد أيضا عدد من المعابد الدينية، وخزانات طعام، إضافة إلى مجاري مياه عذبة، فضلا عن أماكن للحيوانات ووسائل أمن غريبة وذكية، ما يجعلنا نتساءل لماذا أراد الناس في ذلك الوقت مغادرة منازلهم والذهاب للعيش تحت الأرض! مع أبواب تزن من 200 إلى 500 كجم ويمكن فتحها وتحريكها بدحرجتها لكن من الداخل فقط، مما يثبت للعلماء أن من كان يعيش في هذه المدينة كان مختبئ من شيء ما.
طريقة التنقل بين الطبقات
السلالم هي وسيلة التنقل بين الطبقات في مدينة ديرينكويو، ويوجد غرفة كبيرة بسقوف مدببة في الطابق الثالث، خمن العلماء أنها تمثل المدرسة، أما في الطابق السابع فتم اكتشاف كنيسة تعد من أجمل الكنائس في العالم، بنقشاتها الإنجيلية المتميزة المحفورة على جدرانها، وتم بناؤها في عهد الإمبراطورية اليونانية.
هناك أيضًا ميزة غريبة في هذه المدينة وهي ثبات درجة الحرارة طوال العام، ما جعل السكان يخزنون الطعام لسنوات طويلة دون تعفن وبالأخص لحوم الحيوانات بعد ذبحها. كما يوجد مصادر وفيرة للماء، فقد عثر العلماء على 52 بئرا تتغذى جميعها على نهر كان يمر في المدينة ويصب في آبارها.
أخر سكان المدينة
هجر أخر سكان قطنوا هذه المدينة في القرن العشرين، ويعتقد أنهم من غير المسلمين، الذين اختبئوا في المدينة هربا من الحكم العثماني، وتركوا أمتعتهم وأثاثهم في المدينة، وبقيت حتى اكتشفها العلماء مؤخرا.
من بنى مدينة ديرينكويو؟
نأتي للجزء المثير في قصة هذه المدينة الغامضة، فهناك من يقول أن الذي بناها هم الحيثين سكان مدينة الأناضول، وقد قاموا ببناء امبراطوارية في القرنين الخامس عشر والثالث عشر قبل الميلاد، في حين استشهد العلماء ببعض الأدلة التي تؤكد أن من بناها هم الفريجيين وهم شعب سكنوا شمال الأناضول، في القرون الثاني عشر والتاسع قبل الميلاد.
ودليلهم على ذلك الكتابات والنقوش الموجودة باللغة الفريحينية على جدران المدينة، ولكن أغلب العلماء يؤكدون أنه لا يمكن لبشر بناء مثل هذه المدينة، فهي تحتاج لتقنيات حديثة جدا لا يتخيلها عقل، ولا توجد في عالمنا المتطور، ويرجع السبب للصخور التي سبق وأشرنا إليها بأنها صخور بركانية لينة، كما أن الأعمدة الموجودة في المدينة تحتاج لعمل شاق بأدوات معينة لتكون بمثل هذه الصلابة.
يقول المهندسون أن بناء مدينة ديرنيكويو هو تحدي كبير لأي حضارة، وهذا العمل في تلك الأيام الموغلة في القدم يبدو إعجازياً بكل المقاييس؛ لأنه عمل يوصف بأنه في غاية الإتقان الأمر الذي يصعب على العقل استيعاب طريقة بنائه. والمثير للدهشة هو عدم وقوع كوارث انسدادية في سراديب أو ممرات مدينة ديرينكويو، وبالتشكيك في ان سكان المدينة قد امتلكوا أي من أنواع التكنلوجيا أو طبيعة سكان ديرينكويو الأمر الذي جعل العلماء في حيرة تامة عن طبيعتهم البشرية أو إذا ما تم الاستعانة بحضارات أخرى، أو أنهم من الجن.
وبالنسبة للسكان المحليين، فهم يؤكدون أنها من صنع الجن لا محالة، ولا يعترفون بأراء العلماء التي تؤكد أن المدينة بناها البشر بغرض الإختباء، وكل ما عثروا عليه في المدينة يؤكد ذلك، بدءً من فتحات التهوية إلى الطعام والكنيسة والغرف المتعددة والمدرسة وما إلى ذلك.
ليس مدينة ديرينكويو الوحيدة المنشأة تحت الأرض، فهناك مدينة كاملة في فرنسا تحت الأرض تسمى نورس في شمال فرنسا، ويعدو عمرها إلى القرن الثالث الميلادي، وأخرى في بولندا حيث يوجد منجم ويليزيزيكا وهو على عمق 305 مترا تحت سطح الأرض، وقد حفر من قبل عمال المناجم في القرن الثامن عشر الميلادي وغيرهما الكثير والكثير.