الحضارة المصريةحكايات

الاخشيدين يدخلون مصر.. هل أثروا في تاريخها؟

لمن يتابعنا للمرة الأولى، تحدثنا في سلسلة مقالات مميزة عن الحضارة المصرية من بدايتها بشكل مفصل حتى وصلنا إلى  الدولة الطولونية واليوم نتحدث عن دخول الاخشيدين مصر.

منذ بداية العالم وضُخ دم البشرية في عروق الحياة، خرجت للدنيا حضارة تعد عالما قائما بذاته، غيرت مجرى التاريخ ورسمت ملامح عظمتها على وجه الزمن، وكنا وما زلنا وسنظل نفخر بها حتى النهاية، ودائما نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة ونفتش عن الحضارة المصرية ونسرد ومضات تاريخية عن تاريخ الاسر المصرية القديمة.

فتحدثنا عن ومضات تاريخية للحضارة المصرية منذ البداية أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن ننزل إلى الأعماق.

وعرفنا معنى كلمة مصر وسبب تسميتها ومعنى المصطلحات المصرية القديمة، وكيف قرر المصري القديم أن ينشأ امبراطورية حقيقية تديرها حكومة مركزية، وأن يأسس جيشًا قويًا يردع بقوته كل طامع وغاصب.

كما تحدثنا عن تفاصيل الأسر المصرية حتى العصر الروماني وتحدثنا عن الدولة الطولونية واليوم نتحدث عن دخول الاخشيدين لمصر ونسرد الأحداث في طي السطور التالية:

الاخشيدين

دخول الاخشيدين مصر

كان دُخول الاخشيدين إلى مصر يتطلَّب تخطيطًا سليمًا نظرًا لِصُعوبته بِفعل تمسُّك أحمد بن كيغلغ بِمنصبه وحرص الماذرائيين على المُحافظة على مُكتسباتهم، لِذلك عقد مُحمَّد بن طُغج اجتماعًا سريًا مع الفضل بن جعفر في دمشق اتفقا في نهايته على أن يتم الدُخُول إلى مصر من محورين برّي وبحري، واتخذا الحيطة والحذر كي لا تتسرَّب أخبار اجتماعهما إلى أنصار الماذرائيين الكُثر في دمشق.

وحرص مُحمَّد بن طُغج، قبل اللُجوء إلى استعمال القُوَّة المُسلَّحة، إلى الدُخول سلمًا إلى مصر، فكتب إلى مُحمَّد بن علي الماذرائي، صاحب السُلطة الفعليَّة فيها، يطلب منهُ التخلّي عن موقفه العدائي منه ويُخلِّي بينه وبين دُخول مصر مُقابل أن يظلَّ لهُ الإشراف المالي والإداري في البلاد، فرفض الاستجابة لِطلبه مُدركًا أنَّ هذا الوالي الجديد يختلف عن الوُلاة السابقين من حيث القُوَّة والطُموح، وأنَّهُ لن يكون لهُ من النُفوذ كما كان لهُ مع غيره، وبالتالي لا مقام له معه.

دفع هذا الرفض مُحمَّد بن طُغج وهو من الاخشيدين إلى تعبئة قُوَّاته، فحشد القادة والجُنُود الذين رافقوه والذين وفدوا عليه من الشَّام والعراق والبادية، وسار بهم باتجاه مصر. وعندما علم أحمد بن كيغلغ بِزحفه اتخذ التدابير الضروريَّة بِالتعاون مع حليفه مُحمَّد بن علي الماذرائي لِمنعه من الدُخول، بِالإضافة لِعرقلة إجراءات الوزير الفضل بن جعفر الإداريَّة.

تقدَّم مُحمَّد بن طُغج على رأس جيشه باتجاه الداخل المصري، وفي المُقابل خرج أحمد بن كيغلغ من الفسطاط على رأس ثلاثين ألف جُندي تُسانده القُوَّة المغربيَّة في مصر، فاصطدم بِمُقدمة جيش مُحمَّد بن طُغج ومُني بِهزيمةٍ فادحة. ونزل مُحمَّد بن طُغج بعد انتصاره في منية الأصبغ شمالي القاهرة المُعاصرة وانتظر وُصول أُسطوله البحري بِقيادة صاعدة بن كلملم، وكان قد استولى على دُمياط وتنيس.

ثم اصطدم بِأُسطول ولاية مصر بِقيادة علي بن بدر بِالقُرب من سمنود وانتصر عليه ودمَّره، وتابع إبحاره إلى جزيرة الروضة وهي خط الدفاع عن الفسطاط، ولكنَّ هذا الأُسطول انسحب فجأة وعاد إلى الدلتا، ويبدو أنَّهُ تعرَّض لِضغطٍ عسكريّ بريّ، بِدليل أنَّ أحمد بن كيغلغ والماذرائي أسرعا، بعد انسحابه، إلى شحن الجزيرة بِالرجال والسلاح لِلدفاع عن الفسطاط.

الاخشيدين

مقاومة الفسطاط

أعاد مُحمَّد بن طُغج قائد الاخشيدين تنظيم صُفُوف قُوَّاته البحريَّة وجدَّد هُجومه البحري على جزيرة الروضة ونجح في الاستيلاء عليها وأسر من فيها من الجُنُود، لكنَّ هذه القُوَّة البحريَّة لم تتمكَّن من دُخُول الفسطاط بِفعل شدَّة المُقاومة. وما جرى آنذاك من استياء أحمد بن كيغلغ، الذي كره استبداد مُحمَّد بن علي الماذرائي بِالأُمور السياسيَّة والإداريَّة وثقل عليه أمره وأمر أولاده وشعر بِأنَّهُ ليس له معهم أمرٌ ولا نهي، وانضمام كثيرٌ من جُنُوده إلى جيش مُحمَّد بن طُغج؛ أن مال إلى التفاهم مع هذا الأخير، وبِخاصَّةً بعد أن أرسل إليه مُحمَّد بن طُغج كتاب الخليفة الراضي بالله بِتكليفه ولاية مصر، وهدَّده بِالشكاية أمامه.

والواقع أنَّ ابن كيغلغ كان قد عزم على الاستسلام إلى مُحمَّد بن طُغج قبل ذلك، إلَّا أنَّهُ اصطدم بِرفض مُحمَّد بن علي الماذرائي. وفعلًا أقدم أحمد بن كيغلغ على تسليم البلاد لِمُحمَّد بن طُغج، واعتذر إليه بِأنَّ زمام الأُمور كان قد أُفلت من يده، وأنَّ المُقاومة التي تعرَّض لها لم تكن بِإرادته.

ونتيجةً لِذلك التفاهُم دخل مُحمَّد بن طُغج على رأس الاخشيدين الفسطاط في 23 رمضان المُوافق فيه 26 آب (أغسطس) فاستقبله أحمد بن كيغلغ مُستسلمًا في حين فرَّ مُحمَّد بن علي الماذرائي، واضطرَّ إلى الاختباء. ونهبت العساكر الداخلة المدينة مُدَّة يومين، ولم تتوقف عن النهب إلَّا بعد أن هددهم مُحمَّد بن طُغج بِالقتل، ثُمَّ هدأت الأوضاع وبدأت الحياة العامَّة تعود إلى طبيعتها، فاطمأنَّ السُكَّان الذين كانوا قد غادروها وعادوا إلى دورهم.

القضاء على المتمردين

غادر الفسطاط، على أثر دُخُول مُحمَّد بن طُغج قائد الاخشيدين، بعض القادة الذين ناهضوه واشتركوا في قتاله، أمثال حبشي بن أحمد قائد القُوَّة المغربيَّة، وعلي بن بدر قائد أُسطول أحمد بن كيغلغ وتوجهوا نحو الشرقيَّة، ثُمَّ يمَّموا وجههم صوب الفيُّوم، وقد تجنَّبوا الذهاب إلى الحُدود الشرقيَّة باتجاه فلسطين ظنًا منهم أنَّهم لن ينجوا من أعوان مُحمَّد بن طُغج في هذه البلاد، واختاروا الذهاب إلى الفيُّوم بِفعل عاملين: عدم امتداد سُلطان مُحمَّد بن طُغج إلى هذه المنطقة بعد، والطبيعة الجُغرافيَّة لِتلك المنطقة التي تُشكِّلُ حائلًا أمام أي هُجومٍ قد تتعرَّض له.

والواقع أنَّ والي مصر الجديد لم يشأ أن يتركهم حتَّى تستفحل حركتهم أي الاخشيدين، وأراد أن يقضي عليها في مهدها، فأرسل إليهم قُوَّة عسكريَّة بحريَّة بِقيادة صاعد بن كلملم. ويبدو أنَّ المراكب لم تستطع أن تُبحر في الترعة الموصلة إلى الفيُّوم، ما أعطى المُتمرِّدين الفُرصة لِلتصدي لها، وتمكَّنوا من الاستيلاء عليها وأسر قائد الحملة وقتله، وأبحروا إلى دار صناعة السُفن في جزيرة الروضة وأحرقوا المراكب الراسية فيها، ثُمَّ واصلوا السير إلى الإسكندريَّة، ومنها رحلوا إلى برقة، وكتبوا إلى الخليفة الفاطمي مُحمَّد بن عُبيد الله القائم بِأمر الله يستأذنوه ويدعونه لِغزو مصر، وهوَّنوا عليه أمرها، ووعدوه بِأخذها، وطلبوا منه مُساندتهم بِقُوَّةٍ عسكريَّة، فاستجاب لهم.

كان من الطبيعي أن يتوجَّس مُحمَّد بن طُغج قائد الاخشيدين خيفةً من تمادي المُتمردين وبِخاصَّةً بعد اتصالهم بِالفاطميين، فجهَّز حملةً عسكريَّةً كبيرة أسند قيادتها إلى أخيه عُبيد الله، وأمر بِمُطاردتهم والقضاء عليهم، ويبدو أنهم عجزوا عن مُواجهته، واضطرّوا إلى مُغادرة مصر إلى رمادة بين برقة والإسكندريَّة، ومرض حبشي بن أحمد وتُوفي فيها في سنة 324هـ المُوافقة لِسنة 936م قبل وُصوُل المُساعدة الفاطميَّة. وهكذا خلُصت مصر لِمُحمَّد بن طُغج بِفضل جُهُوده الشخصيَّة.

إلى هنا نصل وإياكم إلى نهاية هذه المقالة، والتي تحدثنا فيها عن دخول الاخشيدين إلى مصر. على وعد بلقاء جديد لنبدأ حقبة جديدة من تاريخ مصر وحضارتها. دمتم في أمان الله.

كتبت: مروة مطصفى

آمال أحمد

يأسرني عالم الترجمة وقضيت حياتي أحلم بأن أكون جزء من هذا العالم الساحر الذي اطلقت لنفسي فيه العنان لأرفرف بأجنحتي في سماء كل مجال، وأنقل للقارئ أفكار وأحداث من كل مكان على أرض المعمورة مع مراعاة أفكاره وعاداته وثقافته بطبيعة الحال، وفي مجال الترجمة الصحفية وجدت نفسي العاشقة للتغيير والمتوقة للإبداع والتميز.. من هنا سأعمل جاهدة على تلبية كل احتياجاتك ومساعدتك على تربية ابنائك وظهورك بالشكل الذي يليق بك ومتابعة الأخبار التي تهمك واتمنى أن أكون عند حسن ظنك.
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!