منذ بداية العالم وضُخ دم البشرية في عروق الحياة، خرجت للدنيا حضارة تعد عالما قائما بذاته، غيرت مجرى التاريخ ورسمت ملامح عظمتها على وجه الزمن، وكنا وما زلنا وسنظل نفخر بها حتى النهاية، ودائما نكون غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة.
نبذة عن سلسلة غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة
لمن يتابعنا للمرة الأولى، نعرفكم بهذه السلسلة من حلقات غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، فقد قررنا في الداديز أن نعرف الجيل الجديد ونذكر بقية الأجيال بهذه الحضارة العريقة الخالدة.
فتحدثنا منذ البداية أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة وننزل إلى الأعماق.
وعرفنا معنى كلمة مصر وسبب تسميتها ومعنى المصطلحات المصرية القديمة، وكيف قرر المصري القديم أن ينشأ امبراطورية حقيقية تديرها حكومة مركزية، وأن يأسس جيشا قويا يردع بقوته كل طامع وغاصب.
كما تحدثنا عن تفاصيل الأسر المصرية حتى الأسرة السادسة وعرفنا ملوكها وملكاتها، واليوم نستكمل معكم هذه الحلقات من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، ونتحدث اليوم عن الأسرة الثالثة عشرة.
الأسرة المصرية الثالثة عشر
نتحدث اليوم في حلقة غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة عن الأسرة الثالثة عشرة وهي أول أسرة بدأت في عصرها غزو الهكسوس لمصر، وتشترك مع الأسرة الحادية عشر، والأسرة الثانية عشر والأسرة الرابعة عشر ليكونوا جميعا في عصر الدولة الوسطى. وقد بدأ عهد هذه الأسرة في الفترة (1790 ق. م. – 1649 ق. م.).
بعد انهيار الأسرة الثانية عشرة إتخذت الأسرة الثالثة عشرة التي خلفتها من (إيثت تاوى) عاصمة لها كما كان الحال من قبل وجاء معظم ملوك هذه الأسرة من طيبة وفي عصر هذه الأسرة تمت سيطرة الهكسوس على مصر في عهد الملك ديدومسيو الأول ( توتيمايوس عند مانيتون) حوالى سنة 1675 ق.م.
فكان ذلك بمثابة النهاية لها رغم توالى حكم بعض ملوكها حتى بعد سقوط منف ولكن بالطبع فقد تقلص نفوذ هؤلاء وإنحصر عن الدلتا ولم يعودوا يسيطرون إلا على مناطق محدودة من مصر بعد أن كانوا ملوكا على مصر كلها.
ان الفترة ما بين نهاية الدولة الوسطى وبداية الدولة الحديثة لا تزيد إلا قليلاً عن مائتى عام، وهي الفترة التي تضمنت الأسرتين المصريتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة، ثم الأسرات الهكسوسية الثلاثة (من الخامسة عشرة إلى السابعة عشرة). والواقع أن مدة احتلال “الهكسوس” لمصر، لا تزيد عن المائة عام بسنوات قليلة.
قائمة ملوك الأسرة الثالثة عشرة
الاسم اسم التتويج مدة الحكم
سزفا كا رع | كاى أمنمحات | ||
خوتاوى رع | |||
سنفرات رع | سنوسرت | ||
أمينى انتف أمنمحات | |||
حور اب شدت | أمنمحات | ||
ستحب إب رع أمنمحات | |||
سا حتحور رع | |||
سوبك حتب السادس | |||
نفر حتب | مر سخم رع | ||
سبك حتب | |||
وسر كا رع | خنزر (خنجرالأول) | حكم مصر أكثر من 4 سنوات | |
خنجر الثاني | نى خع نى ماعت رع | ||
واح اب رع اع اب | |||
سواو إن رع | نب ارى راو | ||
زد نفر رع ددومس | ددومس | ||
زد حتب رع دومس | |||
سواح إن رع | سنب ميو | ||
زد عنخ رع | منتو امر ساف | ||
من خعو رع سش اب | |||
حتب أب رع | سيامو حور نز حرتف |
وبحسب ما عثرنا عليه من معلومات عن هذه الأسرة في هذه الحلقة من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة أن منطقة الشرق القديم كانت تموج بالتحركات والهجرات اعتباراً من عام 2000 ق.م، ونعرف أنه في فترة حكم الأسرة الثانية عشرة كان لمصر نفوذ سياسى واقتصادى وحضارى في منطقة الشرق الأدنى القديم، حتى أنه يمكن القول أن مصر كانت أقوى دول المنطقة، وأنها كانت تستفيد من الخيرات التي كانت تصلها من هذه البلاد، إلى جانب خيرات بلاد النوبة، وشمال أفريقيا، وجزر البحر المتوسط.
ولعله من المنطقى أن نلقى نظرة سريعة في هذه الحلقة من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة على ما كان يجرى في منطقة بلاد العراق وسوريا، معتمدين في ذلك على إحدى الوثائق البابلية التي توضح لنا الموقف في ذلك الحين. فقد جاء في هذه الوثيقة أنه كان هناك العديد من الملوك والحكام الذين كان بعضهم يتبع الحاكم البابلى “حامورابى”، والبعض الآخر يتبعملك “لارسا”.
هذا إلى جانب العديد من البيوت الحاكمة الأخرى. واستمرت الأمور على هذا الحال إلى أن تمكن “حامورابى” من القضاء على الحكام المنافسين له. ولكن سرعان ما تغيرت الأمور عندما تحركت إحدى الهجرات الجديدة الآتية من الجبال الشرقية، وظهر الشعب الذي يُعرف في التاريخ باسم “الكاسيين”.
وفي نفس الوقت تقريباً جاءت هجرة أخرى من الشمال لشعب آخر، وهو شعب “الحريين” أو “الحوريين”، وقد حدث – بطبيعة الحال – صدام بين هذه الهجرات الجديدة وبين السكان الأصليين.
ومنذ ذلك الوقت ازدادت الاضطرابات والقلاقل التي لم تكن مصر بمنأى عنها، خصوصاً أن حدودها الشرقية كانت عرضة لهجمات هذه الهجرات التي يغلب على الظن أن بعضها قد استقر في منطقة شرق الدلتا، وكان ذلك أثناء الفترة الأخيرة من حكم الأسرة الثالثة عشرة.
إستغل أمراء منطقة سخا فرصة ضعف الأسرة الثالثة عشرة وإستقلوا بإقليمهم متخذين من مدينة سخا الحالية بمحافظة كفر الشيخ عاصمة لهم مؤسسين بذلك الأسرة الرابعة عشرة لكن هذه الأسرة لم تستمر طويلا بدورها بعد سقوط الأسرة الثالثة عشرة.
وهكذا توزع حكم مصر في هذه الفترة من تاريخها بين ملوك الأسرة الثالثة عشرة في الجنوب وأمراء سخا في غرب الدلتا بينما كان الهكسوس يسيطرون على شرقها حيث إتخذوا من مدينة (أواريس) الواقعة في شرق الدلتا عاصمة لهم كما إتخذوا من الإله المصرى ست معبودا لهم، ووضعوا اسم الإله رع في ألقابهم الملكية مما يدل على تأثرهم وذوبانهم في الثقافة المصرية على نحو ما.
معنى كلمة الهكسوس
وكلمة الهكسوس هي تحريف للكلمتين المصريتين حقاو وخاسوت التي تعنى حكام الأراضى الأجنبية وهي أحد التسميات التي أطلقها المصريون على الآسيويين بشكل عام وقد ترجمها مانيتون في تاريخه بمعنى ملوك الرعاة أما يوسيفيوس اليهودى فقد ترجمها في كتابه (تاريخ اليهود) والذي نقل فيه فقرات كثيرة من كتاب مانيتون المفقود بمعنى الأسرى الرعاة وربط بينهم وبين شعب إسرائيل.
الذي دخل مصر في حدود ذلك الوقت أيضا ولكن أفضل الافتراضات في هذا الخصوص هي أن شعب إسرائيل كان مجرد فصيل من فصائل الهكسوس الذين سيطروا على الوجه البحرى ولم يشكل كل فصائلهم وأنه قد دخل مصر معهم في حدود نفس التاريخ، التي إجتاحت فيه الشعوب البدوية مصر من الشرق بسبب ظروف الجفاف التي شملت إقليم شرق المتوسط في ذلك الوقت بدليل وجود اسم (يعقوب حار والذي عرف ايضا بإسم يعقوب بعل) ضمن أسماء ملوك الهكسوس.
وبشكل عام فهناك شبه إتفاق بين علماء المصريات على أن اليهود أو العبرانيين قد دخلوا مصر مع الهكسوس أو في زمن احتلال الهكسوس لمصر بأقل تقدير ولكن تاريخ خروجهم منها فمازال محل خلاف بين العلماء.
وعلى كل حال فبنهاية عهد الأسرة الثالثة عشرة إنقسمت مصر إلى ثلاثة ممالك رئيسية هي مملكة الهكسوس التي كانت تسيطر على الدلتا ومصر الوسطى، ومملكة طيبة التي ظهرت في الصعيد وشكلت الأسرة السابعة عشرة وكانت تسيطر على الصعيد، ثم مملكة النوبة التي كان يحكمها أمير نوبى يسيطر على الجنوب من الفنتين حتى كرما وكان حليفا للهكسوس.
لوحة تمثل أحمس الأول يقاتل الهكسوس
ومن الواضح أنه منذ نهاية عهد الأسرة الثالثة عشرة لم يجرؤ أحد من الأمراء المستقلين على إدعاء الملك وتحدى الهكسوس، وذلك حتى تجرأ أمراء الصعيد مؤسسى الأسرة السابعة عشرة على إتخاذ ألقاب الفراعين وتحدى نفوذ الهكسوس في الشمال.
بردية ساليه
ونعرف من وثيقة متأخرة من عصر الرعامسة عرفت بإسم (بردية ساليه) كيف بدأ النزاع بين ملوك طيبة وبين الهكسوس إذ نعرف من هذه البردية أن الملك سقنن رع (الثانى) كان في ذلك الوقت حاكما على طيبة وكان معاصرا لملك الهكسوس أبوفيس( أبيبى).
الذي أرسل يطلب منه إسكات أفراس النهر في مياه طيبة لإنها تزعجه وهو في قصره في الدلتا وذلك كما يبدو على سبيل إستفزازه وإهانته بشكل متعمد. ومن فحص مومياء سقنن رع المحفوظة الآن في المتحف المصرى نرى أن صاحبها قد مات متأثرا من جراح كثيرة في صدره وضربة فأس في رأسه مما يرجح أن يكون هذا الملك قد مات في الحرب التي بدأت مع الهكسوس في عهده على أثر تلك الحادثة.
يقدر عدد ملوك هذه الأسرة بحوالي سبعين ملكا، وقد فقد الجزء الخاص بملوك هذه الأسرة من أهم المصادر وهي بردية تورين وما وصل إلينا عبارة عن قطع ممزقة بها ملوك الجزء الأول من هذه الأسرة. وكانت مدينة طيبة هي العاصمة لملوك هذه الأسرة من اشهرهم.
إلى هنا نكون قد انتهينا من سرد تاريخ الأسرة الثالثة عشرة، وعلى وعد بلقاء قريب لنستكمل الغوص في بحر الحضارة المصرية القديمة.
المصدر: مروة مصطفى