يصاب الناس بالخوف والرهبة عند ذكر
السحر الأسود؛ نظرا لما تحمله هذه الجملة من معاني مرعبة ومخيفة وتلقي بالهلع داخل النفوس، والسحر قوى ملموسة لا يمكننا إنكارها أو الكفر بها، وبغض النظر على كونها علم يدرس فهي النهاية مذكورة في القرأن الكريم وهي حق مهما حاول البعض إنكاره.
نتحدث في مقالنا اليوم عن قضية شائكة، لطالما حيرت العقول وأذهلت بقصصها النفوس، وسنبحث عن أسرار السحر الأسود ولكن من قديم الأزل، لنعرف ما العلاقة بين السحر الأسود والحضارة الفرعونية، وهل تأصلت جذور هذا النوع من السحر في هذه الحضارة الغامضة؟
السحر الأسود والحضارة الفرعونية
نستلهم حديثنا من كتاب الدكتور زاهي حواس “جنون اسمه الفراعنة“، ومن بعض المصادر الأخرى، التي تؤكد أن الحضارة الفرعونية هي أصل السحر الأسود، وأن الكهنة والسحرة الذين وصف الله عز وجل سحرهم بالسحر العظيم، هم من أسسوا هذا العلم ووضعوا قواعده وعلموه للصفوة فقط.
لغز السحر الأسود
اشتهرت مصر، منذ آلاف السنين بالسحر، وكان السحر لدى المصريين القدماء، من الأشياء المهمة في حياتهم، بل ارتبط السحر لدى القدماء المصريين بالدين، وبناء عليه، ارتفعت مكانة الكهنة لدى الفراعنة بتعليمهم السحر، وكان السحر الأكثر شيوعًا عند المصري القديم هو السحر الدفاعى، بهدف طرد الأرواح الشريرة وكذلك حماية المقابر من السرقة.
وبالرغم من الاكتشافات العديدة، وفك العديد من الألغاز المحيطة بتلك الحضارة العريقة، يظل السحر وبخاصة السحر الأسود لغزا محيرا، وسرًا من أسرار الحضارة المصرية القديمة، وما زال الغموض يحيط بطبيعة وماهية السحر عند الفراعنة.
لعنة الفراعنة
يجزم البعض بأن لعنة الفراعنة هي كلمة السر عند التحدث عن السحر الأسود، فيما يؤكد أخرون أن السحر الأسود ولعنة الفراعنة وجهان لعملة واحدة، فليس ما حدث للمكتشفين مثل هوارد كارتر عالم المصريات الإنجليزي عقب اكتشافه لمقبرة توت عنخ آمون من سبيل المصادفة، وليس هو فحسب بل هناك العديد والعديد من القصص التي تؤكد وجود هذه اللعنة، التي تطارد كل من تسول له نفسه بالاقتراب من مقابر الفراعنة العظام.
وعرفت عدة كتب ودراسات
“السحر الأسود” بأنها سحر مقصور على الكهنة وليس العامة من الشعب ولا يمكن تعلمه إلا بموافقة الكهنة وبشروط صعبة، أما السحر “الأبيض” فكان مخصصًا لحل المشاكل بين الأزواج وتقارب المسافة بينهما، لدرجة كان يستحيل معها أن ينظر أحدهما إلى غير الآخر، وبالمقابل كان السحر الأسود يستخدمه الكهنة لإنزال العقاب على أشخاص لا يقدمون القرابين للآلهة، وتشير تلك الأبحاث إلى أن طقوس السحر الأسود كانت تقام بلغة الجن “السريانية”.
مصر مهد السحر
لا شك أن المصري هو أول من عرف السحر بل واخترعه من العدم، وكان السحرة علماء لدى مصر القديمة، بل إن القرآن وصف السحر الذى صنعه سحرة فرعون بأنه “علم”. ويشير عدد كبير من الأبحاث إلى أن مصر المهد الأول الذى خرجت منه طقوس تلقين الأسرار أو طقوس التنشئة التى هى عبارة عن طقوس غامضة، كان الغرض منها تهيئة المرشحين للكهانة، ويبدو أن طقوس التنشئة كانت تجرى بواسطة نوع معين من الكهان السريين الذى كان جلهم من السحرة والعرافين.
جنون اسمه الفراعنة
وبحسب كتاب “جنون اسمه الفراعنة” لعالم الآثار المصرية، الدكتور زاهى حواس، فإن المصريين القدماء استخدموا السحر كنوع من الحيطة لرحلتهم الأبدية واستخدموا أنواع مختلفة من السحر، فكثيرًا ما نرى على جدران المقابر نصوصًا غير مفهومة بالكامل وكلمات لا تعطى معنى مفيدًا، وهى بلا شك نصوص سحرية، وضعت لهدف معين هو حماية القبر وصاحبه، وربما تكون هذه الكلمات قد فقدت طاقتها السحرية، بعد أن اندثرت اللغة والكتابة المصرية القديمة، وربما تكون هذه النصوص أيضا لا تزال محتفظة بقدرتها السحرية الكامنة داخلها.
وأكد حواس أن نصوص “متون الأهرام” ، هي تراتيل دينية وسحرية سجلت على جدران حجرات الدفن الموجودة أسفل أهرامات الملوك والملكات منذ أواخر عهد الأسرة الخامسة الفرعونية تحديدًا وعصر الملك “ونيس” (2356 – 2323) قبل الميلاد، معتقدًا أن الطريق ما زال طويلا لمعرفة ألغاز متون الأهرام وحلها.
على الرغم من اكتشافها منذ قرن من الزمان. وتضم هذه المتون طلاسم ينبغي على الملك حفظها وتلاوتها؛ ليمر عبر بوابات العالم الآخر، وينجو بنفسه من الثعابين وكل المخلوقات المفترسة التى تعترض طريقه، كذلك تمنحه هذه الطلاسم القدرة على استخدام أشعة الشمس كحبال للصعود إلى أعلى.
ويضيف حواس: “الغريب أن الطاقات السحرية الكامنة فى متون الأهرام يمكن لمسها من خلال مشاهدة كيفية نحت الكلمات والحروف التى سجلت على هذه المتون، فعند تصوير الرجل نجد أن الرأس والأطراف لا تتصل بالجذع وكأننا أمام إنسان قطعت أوصاله ورأسه، وذلك عند تصوير الحيات بمختلف أنواعها نجد أن هناك طريقتين فى التنفيذ، إما عبر نقش جسد الحيات غير متصل بالرأس، وإما نقش الحيات والثعابين، وقد سلطت سكين فوق رأس كل منهما.
ويتطرق حواس إلى ما يسميه العلماء باسم “نصوص اللعنة” وهى نوع آخر من السحر قام المصريون القدماء بكتابته على واجهات المقابر، وهي لنهر كل من يجرؤ على الدخول إلى مقابرهم قاصدين بها الشر والعذاب، فأشارت إحدى السيدات على جدران مقبرتها إلى أن كل من يحاول جلب الشر إلى مقبرتها فإن فرس النهر سوف يفترس عظمه، والتمساح والأسد سيأكلان لحمه، وسيسرى سم حيات الكوبرا فى جسده.
ويعد الثعبان في الحضارة المصرية القديمة أحد الرموز المهمة للخلق وكذلك الخير، بل وكان يرمز أحيانا للشر، واستمد الفنان القبطي هذا الرمز في العديد من التصاوير والمنحوتات والفنون التطبيقية، وكذلك اتخذ من الكوبرا رمزا للقوة و النفوذ و السيادة، وكذلك هي رمز التاج للملك، لتحمي حماه من الأشرار وتدرء عنه السوء من الأعداء.
ووفقا للكتاب ذاته، هناك بردية شهيرة تتحدث عن ذلك الكاهن الذى فوجئ بخيانة زوجته له، فانتظر إلى أن نزل الشاب الخائن إلى المياه ليغتسل، وقام الكاهن بوضع تمساح صغير من الشمع فى الماء، سرعان ما انقلب إلى تمساح ضخم افترس الشاب.
وشدد الدكتور زاهى حواس على أن هناك العديد من القصص حول السحر والسحرة فى عالم الفراعنة، ومنها قصة خوفو والسحرة، وقصة الملك سنفرو والد “خوفو” مع الساحر الذى شق له المياه لكى تعثر فتاة على سوارها الذى سقط فى الماء.
كما ذكر عالم الآثار المصرية فى مقال له بعنوان “سحر الفراعنة القاتل” نشر فى فبراير عام 2015، نقش يرجع إلى العصر اليوناني خاص بالمدعو بيتوزيريس، يرجو زوار مقبرته أن يؤدوا له الطقوس الدينية بالشكل السليم بدلا من التعدي عليها، ويهدد من يفعل السوء بالعقاب الصارم، وذكر أنه إذا لم تتم معاقبة المعتدين في الأرض سيتم عقابهم في العالم الآخر بعد الموت، ومن أجمل ما عثر عليه هو أن مدخل أحد المقابر عثر به على شخص واقف وفي يده عصا كبيرة يشير إلى ضرب أي شخص سوف يؤذي المقبرة.
إتبعنا