منذ بداية العالم وضُخ دم البشرية في عروق الحياة، خرجت للدنيا حضارة تعد عالما قائما بذاته، غيرت مجرى التاريخ ورسمت ملامح عظمتها على وجه الزمن، وكنا وما زلنا وسنظل نفخر بها حتى النهاية، ودائما نكون غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة.
نبذة عن سلسلة غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة
لمن يتابعنا للمرة الأولى، نعرفكم بهذه السلسلة من حلقات غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، فقد قررنا في الداديز أن نعرف الجيل الجديد ونذكر بقية الأجيال بهذه الحضارة العريقة الخالدة.
فتحدثنا منذ البداية أي قبل أن يحفر المصري القديم مكانته بين البشر، وينطلق لأعنان السماء معلنا عن بداية ليس لها نهاية، من عبقرية وتحدٍ وقدرة على الإبداع لم يعرف لها العالم سر بعد، وقررنا أن نأخذ دور غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة وننزل إلى الأعماق.
نستكمل اليوم الحديث عن الأسر المصرية القديمة في حلقة جديدة من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، ونستعرض تاريخ الأسرة الحادية والعشرين.
الأسرة الحادية والعشرين
لم يتوفر لدينا في هذه الحلقة من حلقات غواص في بحر الحضارة المصرية القديمةج المعلومات الكافية عن هذه الأسرة، لذلك نستلهم هذه الحلقة من كتاب الشرق الادنى القديم في مصر والعراق للكاتب عبد العزيز صالح وسنرد في السطور التالية هذا الفصل بعنوان الثيوقراطية والفتور في عصر الأسرة الحادية والعشرين ١٠٨٧ – ٩٤٥ق. م.
يكون الأسرة الحادية والعشرين مع الأسرة العشرون و الأسرة الثانية والعشرون إلى الأسرة الخامسة والعشرون، جميعا الفترة الإنتقالية الثالثة في مصر القديمة.
امتداد للأسرة العشرون
ارتبطت سياسة هذه الأسرة بأحداث الفترة الأخيرة من عصر الأسرة السابقة لها، وبدأت بعاصمتين للحكم: عاصمة في طيبة التي ضمن فيها كبار كهنة آمون خلفاء حريحور صاحب السلطان الواسع في عهد رمسيس الحادي عشر، لأنفسهم حكمًا ثيوقراطيًّا اعتمدوا في تدعيمه على ما تخلف لمدينتهم مقر آمون رع رب الدولة.
من ثراء موروث وسيادة دينية، وزعامة صعيدية، وإشراف على خيرات النوبة. وقد مدوا نفوذهم حتى الحيبة في مصر الوسطى وحصنوها. ثم عاصمة في بر رعمسسو “أو “تانيس” بشرق الدلتا حكم فيها بيت نيسو بانب جد “أو نس بانب جدة” الذي ذكره أفريكانوس عن مانيتون باسم سمندس “الأول”، صاحب السلطان في الوجه البحري ومصر الوسطى منذ عهد الملك نفسه.
وقد استند أفراده إلى اعتبارهم الورثة الشرعيين للأسرة السابقة لهم بحكم قرابتهم أو مصاهرتهم لها بعد أن أيد رأسهم شرعية سلطته بزواجه من تانت آمون سليلة الرعامسة، كما شجعهم ما كانو يصيبونه من ثراء ورخاء نسبيين نتيجة لإشرافهم على تجارة مصر الخارجية مع آسيا الغربية وحوض البحر المتوسط.
وقد وجد هذان البيتان الحاكمان أنه لا قبل لأحدهما بتجاهل الآخر أو الانفراد بالأمر دونه، فأتما سياسة المسالمة التي بدأها حريحور، وزاوجا بين سلطتيهما الدينية والدنيوية عن طريق مصاهرة بيتيهما، واعتزا معًا بمذهب آمون رع. وكان أكثر الغنم في تحالفهما للبيت الشمالي، إذ بقيت الألقاب الفرعونية في رجاله. وتلقب أغلب فراعنة هذا البيت الشمالي بلقب ستبن آمون ولقب مري آمون، أي المصطفى من آمون وحبيبه، مما يعني حرصهم على إبقاء صلاتهم برب طيبة رب الدولة الكبير.
وثمة نص في محاجر الجبلين ينسب إلى نيسو بانب جد أنه جلس ذات مرة في قصره في منف يفكر في عمل يكسبه التكريم، وكان قد بلغه أن بهو أعمدة بني في عهد تحوتمس الثالث في الأقصر قد طغى الماء عليه حتى كاد أن يبلغ سقفه، فأرسل ثلاثة آلاف عامل لقطع الأحجار وترميمه.
وقد يعني هذا العمل رغبة الفرعون في مد نشاطه ومآثره إلى طيبة. وأيد حكام طيبة بدورهم سلطتهم باتخاذ أكثر من اسم واحد على عادة الملوك، ولكن قلما وضعوا أسماءهم في الخراطيش الملكية. وجمعوا بين ألقابهم الكهنوتية وبين ألقاب عسكرية مثل القائد الكبير للجيش، والقائد الأعلى للجيش في البلاد كلها.
تأريخ عصر الأسرة الحادية والعشرين
وجدنا جدلا كبيرا عندما بحثنا عن تأريخ عصر الأسرة 21 في هذه الحلقة من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، ولا يزال هذا الجدل قائمًا حول تأريخ عصر الأسرة الحادية والعشرين وتتابع ملوكه وكبار كهنته، بل وحول الصيغ المرجحة لألقاب هؤلاء وهؤلاء.
وكان أفريكانوس قد نقل عن مانيتون ذكر سبعة أسماء لملوك هذا العصر نسبهم إلى العاصمة تانيس وقدر مجموع مدد حكمهم بمائة وثلاثين عامًا. واحتفظت الآثار المكتشفة حتى الآن والنصوص الموجزة المسجلة على التوابيت وأكفان المومياوات بما يزكي صحة بعض هذه الأسماء وما يزاد عليها.
وبينما افترض الرأي الغالب بين المؤرخين المحدثين لمجموع مدد حكم أولئك الملوك ١٤٢ عامًا “امتدت بين عام ١٠٨٧ وعام ٩٤٥ق. م”، افترض لهم رآي آخر ١٢٤ عامًا “بين عام ١٠٦٩ وعام ٩٤٥ق. م”، وافترض لهم رأي ثالث ١٤٤ عامًا “امتدت بين ١٠٨٩ – ٩٤٥ق. م”.
وقد سلفت الإشارة بأنه مهدت لهذا العصر فترة أحد عشر عامًا بدأت بما اعتبره كبار كهنة آمون عصر نهضة، واقتسم السلطة الفعلية خلالها في أواخر حياة رمسيس الحادي عشر “بين ١٠٩٨ – ١٠٨٧، أو بين ١٠٨٠ – ١٠٦٩، أو بين ١١٠٠ – ١٠٨٩ق. م”، كل من نس بانب جدة “سمندس” في العاصمة بر رعمسسو “أو تانيس”، وثلاثة من كبار كهنة طيبة كانوا على التتابع: حريحور “لنحو ست سنوات”، وبي عنخ “لفترة أربع سنوات”، ثم بي نجم “لفترة عام واحد”، وإن احتمل رأي آخر أن تكون فترة رياسة بي عنخ لكهنوت طيبة قد استمرت لبضع سنوات أخرى حتى عام ١٠٦٤ق. م.
وعلى عرش العاصمة بر رعمسسو طال عهد نس بانب جدة بعد وفاة رمسيس الحادي عشر ٢٦ عامًا، ثم تتابع بعده الملوك: آمون منيسو “لفترة ٤ سنوات”، وباسبا خع مني “أو منو” الذي ذكره مانيتون باسم بسوسينيس الأول وطال حكمه ٤٦ أو ٤٨ عامًا، وأمنموبة، وقد شارك سلفه عامين ثم استقل بالعرش لنحو ٩ سنوات، وملك ذكره مانيتون باسم أسوخور “؟ ” اشترك مع سلفه ثلاث سنين ثم انفرد بالحكم ست سنوات.
بالإضافة إلى سا آمون لفترة ١٧ أو ١٩ عامًا، وباسبا خع مني “أو منو” الثاني “بسوسينيس الثاني” لفترة ٢٤ عامًا، وذلك مع بعض الشك في أسبقية الملك الثالث في قائمة هؤلاء الملوك للملك الثاني منهم. ومن استعراض مدلولات هذه الأسماء يتضح مدى إصرار أصحابها على الانتساب إلى آمون رب طيبة، فضلًا عن الدلالة الواضحة لاسم “باسبا خع مني” الذي يعني “النجم قد شع في المدينة” وهي مدينة طيبة.
وفي سبيل تحقيق الوفاق مع سلطات طيبة الدينية، ومن أجل تزكية امتداد نفوذهم فيها في الوقت نفسه، زوج بعض أولئك الملوك بناتهم لكبار كهنة آمون الذين تتابع منهم بعد حريحور وولده بي عنخ، أي بعد وفاة رمسيس الحادي عشر، ستة أو سبعة وهم: بي نجم “الأول”، وماساحرتا، وحج خنسف عنخ، ومن خبر رع، ونس بانجد “سمندس الثاني؟ “، وبي نجم “الثاني”؛ ثم باسباخع منو “بسوسينيس الثالث؟ “.
وكفل ملوك بر رعمسسو لبناتهم بهذه المصاهرات ممارسة نصيب من النفوذ الديني في طيبة لا سيما مع دريوتون وفاندييه: مصر – معرب بالقاهرة – ص٥٦٥، ٦٢٠.
ومن أسماء العرش الأخرى لهؤلاء الملوك وفق ترتيبهم المقترح: حج خبر رع ستبن رع “١”، نفر كارع – حقا واسة “٢”، عاخبر رع – ستبن أمون “٣”، وسرماعت رع – ستبن أمون “٤”، “٥”، نثر خبر رع – ستبن أمون “٦”، تيت خبرو رع – ستبن رع “٧”.
رئاسة كل منهن لكاهنات آمون وتلقبها بلقب “الحرم المقدس لآمون”، وإن نقلت بنات الملوك إلى أزواجهن أو أولادهن بهذه المصاهرات في الوقت نفسه حقوقًا شرعية استغلها بعضهم في اتخاذ ألقاب الملوك كما فعل بي نجم “الأول”. وقد تشجع ولداه منها ماساحرتا ومن خبر رع على اتخاذ ألقاب الملكية أيضًا على التتابع. ويبدو أن ثورة نشبت في طيبة بعد وفاة أولهما وأدت إلى الاستعانة بوحي آون في نفي زعمائها إلى الواحة الخارجة حتى عفا عنهم من خبر رع وأعادهم إلى طيبة لتهدئة نفوس أهلها.
وعندما استتب الأمر له عاود التنكيل بهم مستعينًا بوحي آمون للمرة الثانية. وبسياسته هذه ذات الوجهين طال عهده ٤٨ عامًا وأشرف على موارد الأقاليم التي تمتد من بني سويف إلى أسوان ومن ساحل البحر الأحمر إلى الواحات، ثم ورث زعامة طيبة لولديه على التوالي.
يرجع الأصل القديم للقب “الحرم المقدس لآمون” إلى عصر الأسرة السابعة عشرة وعصر الأسرة الثامنة عشرة، وبدأ تشريفيًّا ثم جمع بين الصبغة الدينية وبين النفوذ الكهنوتي. وقد آثرنا له هذه الترجمة التي تعني من تلوذ بالإله وتكتسب شيئًا من حرمته وتشرف على حرمه المقدس وعلى كاهناته.
عوضًا عن ترجمته الشائعة بعبارة زوجة الإله آمون ” God’s Wife Of Amun” ذلك أنه كان مما اختلفت الديانة المصرية به عن غيرها من الديانات الوضعية المعاصرة لها أنها لم تأخذ بمثل المدلول الحرفي للقب زوجة الإله وهو المدلول الذي أدى في أمم أخرى إلى ما يسمى بالبغاء الديني وبمقتضاه تهب الكاهنة نفسها راضية للإله أو للملك أو كبير الكهنة الممثل للإله.
على اعتبار أنها تضحي بذلك بأعز ما تملك لإرضاء ربها ومن أجل خير شعبها ولتوفير خصوبة الأرحام فيه وخصوبة أرضه. وقد لقبت الأميرة ماعت كارع بلقب “الحرم المقدس لآمون” وهي طفلة مما يؤكد أنها لم تخضع للمدلول الحرفي الملقب زوجة الإله، ثم تزوجت بي نجم “الأول”.
وقد مال بعض الباحثين إلى اعتبار عصر الأسرة الحادية والعشرين بداية للعصور المصرية المتأخرة، ربما على أساس غلبة الخمول على سياسته وضعف وحدة الحكم الأعلى فيه، وتقلص النفوذ المصري خلاله خارج الحدود وتوزع السلطة فيه بعض الشيء بين الملوك.
هذا وذهب رأي آخر قال به ألكسندر شارف ثم توسع فيه كنيت كتشن، إلى اعتبار عصر الأسرة الحادية والعشرين، وما يمتد منه حتى نهاية الأسرة الخامسة والعشرين عصر انتقال ثالث٣ توسط بين العصر الزاهر للأسرة العشرين وبين بداية عصر الأسرة السادسة والعشرين الذي جرى الاصطلاح على تسميته باسم عصر النهضة الصاوي “وإن سبقته نهضة أخرى في عصر الأسرة الخامسة والعشرين”.
ملوك الأسرة الحادية والعشرين
عصر الإنتقال الثالث حوالى 1070-712 ق.م.
ملوك الأسرة الواحدة والعشرون 1070-945 ق.م. بطيبة
حريحور
الكاهن الأكبر بى عنخى
الكاهن الأكبر بينوزم
الكاهن الأكبر ماساهرتا
الملك و الكاهن الأكبر من خبر رع
الكاهن الأكبر بينوزم الثانى
ملوك الأسرة الواحدة والعشرين 1070-945 ق.م. (بتانيس)
سمندس (حدج خبر رع ستب ان رع) 1070-1044
أمون أم نسو (نفر كا رع) 1044-1040
پسوسنـِّس الأول (عا خبر رع ستب ان أمون) 1040-992
أمون إم اوپه (أوسر ماعت رع ان رع) 993-984
أوسركون الأقدم (عا خبر رع ستب إن رع) 984-978
سي أمون (نتر خبرو رع ستب إن أمون) 978-959
پسوسنـِّس الثاني (تيت خبرو رع سبت إن رع) 959-945.
نكتفي بهذا القدر من حلقة اليوم من غواص في بحر الحضارة المصرية القديمة، وعلى وعد بلقاء الأسبوع القادم.
المصدر: مروة مصطفى