قصر شامبليون أو قصر الأمير سعيد باشا حليم هو قصر مشيد على الطراز الإيطالي من تصميم الإيطالي أنطونيو لاشياك ، يقع بشارع -مويار سابقاً- شامبليون حالياً، على مساحة 4781 متراً تقريباً. لقب القصر بإسم الشارع الذي يقع به شارع شامبليون نسبة لاسم العالم الفرنسي «جان فرانسوا شامبليون»، الذي فك رموز اللغة المصرية القديمة على حجر رشيد أيام الحملة الفرنسية على مصر. وشيد القصر سعيد باشا حليم في عام 1896.
يعد قصر الأمير سعيد حليم باشا الأثري بوسط القاهرة ذو الطابع المعماري النادر هو معروف خطأ بإسم «قصر شامبليون» لوقوعه بشارع مويار سابقاً شامبليون حاليًا في وسط البلد، وليس كما يظن البعض أنه قصر العالم الأثري الفرنسي «جان فرانسوا شامبليون» الذي فك رموز حجر رشيد واللغة المصرية القديمة.
والجدير بالذكر أن القصر تحوطه حديقة متسعة ويحده شمالا شارع النبراوى، وشرقا شارع حسين المعمار وغربا شارع شامبليون وجنوبا شارع صغير يصل بين شارعى حسين باشا المعمار، وشارع شامبليون ويتميز القصر بأنه يقع على مقربة من ميدان التحرير والمتحف المصرى.
تاريخ قصر شامبليون أو سعيد باشا حليم
ويعود تاريخ قصر الأمير سعيد باشا حليم أو قصر شامبليون إلى عام 1896، حينما راودت الأمير فكرة تقديم هدية إلى زوجته أمينة طوسون، وبعد تفكير توصل إلى بناء قصر يليق بأن يكون هدية لها، فعهد بتصميمه إلى المعماري الإيطالي الشهير آنذاك أنطونيو لاشياك، الذي صمم عدداً كبيراً من القصور الملكية في مصر.
أشتهر لاشياك بتصميماته الرائعة، فهو الذي صمم أيضا النادى الدبلوماسى، ومبانى عمارات القاهرة الخديوية وقصر الأمير يوسف كمال وقصر الزعفران (مبنى جامعة عين شمس)، ومبنى بنك مصر وقصر المنتزه والعديد من المبانى التاريخية المهمة.
والأمير سعيد حليم، هو حفيد محمد علي باشا مؤسس الأسرة العلوية بمصر، وتولى منصب رئاسة الوزراء في إسطنبول بين عامي 1913 و1916، ثم اغتيل في روما عام 1921.
ويتكون القصر، الذي يقع بشارع شامبليون بمنطقة وسط البلد في القاهرة، من مبنى رئيسي وجناحين يضمان عدداً كبيراً من الغرف، ويربط بينهما سلم ضخم على كلا الجانبين، يعد القصر هو الشاهد الوحيد على روعة العمارة فى تلك الفترة الهامة من تاريخ مصر الحديث واستغرق بناء القصر حوالي 4 سنوات.
لكن زوجة الأمير سعيد حليم رفضت الإقامة بالقصر، كما تؤكد مصادر التاريخ وفضلت أن تظل بقصرها على مضيق البوسفور بتركيا، وبعد قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914، بسبب معارضة الأمير دخول تركيا الحرب ومعاداته السياسة الإنجليزية قلصت سلطاته وتم عزله من منصبه، وتولى منصب رئاسة الوزراء في إسطنبول من عام 1913 إلى عام 1916، وتم منعه من دخول تركيا وصادرت الحكومة أملاك الأمير باعتباره من رعايا دولة معادية، وفي عام 1921 تم اغتيال الأمير “سعيد حليم” في روما.
وتعددت الروايات ومنها من يقول أن الأمير قد باعه إلى مسيو (كارلو سيوني)، ثم آلت ملكيته إلى شركة مساهمة يمتلكها ( شاؤول د.مديانو ) وذلك فى الفترة من ١٩١٨ وحتى ١٩٢٥ حيث تم تحويله إلى مدرسة الناصرة. في عام 1934 أصدر الملك فؤاد الأول مرسوما بتحويل قصر شامبليون أو الأمير سعيد حليم إلى مدرسة تابعة لوزارة المعارف، وأطلق عليها المدرسة الناصرية الإعدادية وبعدها تحول القصر لمعسكر تدريب الضباط وقت ثورة يوليو 1952.
تم بناء قصر شامبليون على مساحة 4781 مترا مربعا وتم تصميمه على نمط الطراز “الباروك”، الذي انتشر في أوروبا خلال عصر النهضة والقصر عبارة عن مبنى رئيسي من طابقين وبدروم وجناحين. يطل على 4 واجهات، الواجهة الرئيسية تتميز بنمط معماري رائع التصميم ذات تماثيل فخمة، ذات عمودين يعلوهما عقد على هيئة نصف دائرة مزين بتماثيل صغيرة لرأس سيدة ومزخرفة برسومات نباتات طبيعية وحيوانات وللمدخل الرئيسي سلم يؤدي إلى سلمان فرعيان، أما المدخل الصغير يفتح على بدروم القصر.
الطابق الأول من قصر شامبليون عبارة عن بهو كبير يمتد بطول القصر وينتهي بسلم مزدوج له فرعان يؤديان إلى الطابق العلوي، وللطابق الأول 6 أبواب تفتح على حجرات واسعة، والطابق الثاني يماثل الأول تماما إلا جزءا من البهو الرئيسى تم إشغاله بحجرتين واسعتين تفتحان على الشرفة الرئيسية للقصر التى تعلو المدخل الجنوبي.
ولقصر شامبليون بدروم يحتوي على غرف للخادمات ومطبخ وحجرات للتخزين ودورات مياه أما الجناحان هما عبارة عن عنابر ذات غرف كبيرة تحتوي على ملحقات للقصر، يتصلان من خلال ممر ذات أعمدة على الجانبين كما يشاع أنه يوجد به”سردابين” يصلان إلى كوبري قصر النيل ليخرج منه الأمير إلى النيل مباشرة لأخذ مركب والتنزه به كما يصل الآخر إلى شارع قصر العيني.
يتميز قصر شامبليون بوجود زخارف بارعة الجمال عبارة عن رسومات لنباتات وحيوانات وأشكال هندسية، أما نوافذ القصر الخشبية تحتوي على عقود نباتية ذات أزهار وأشكال لدروع وفيونكات للتزيين، إضافة إلى أنه يتميز بإضاءة مميزة حيث يحتوي على مصابيح للإضاءة الليلية أسفل التماثيل تجعل القصر تحفة معمارية.
مازال قصر شامبليون محتفظا بطرازه المعمارى المميز وما يحويه من زخارف شديدة الروعة والجمال، ويتميز بأنه من القصور الغنية بتفاصيله المعمارية والزخرفية ويعد نموذجا لعمارة عصر النهضة والباروك. وتجدر الاشاره إلى انه فى الفترة من عامى ١٩١٠ و١٩١٧ وهى الفترة التى أعقبت الإنتهاء من بنائه بسنوات قليلة، كان القصر يمتد حتى شارع محمود بسيونى وتم اقتطاع أجزاء من جناحيه وحديقته بدءا من عام ١٩٢٦، وشيدت عليها عمارة من ستة أدوار أما الحديقة كانت واسعة تحيط بالقصر وبها أكشاك لتربية النباتات وأخرى لتربية الخيول وهى الأكشاك التى اندثرت الآن.
ظل قصر شامبليون عرضة للإهمال عن عمد مريب قبل أن يسيطر عليه الحزب الحاكم سابقا في مصر، ويحوله إلى مخزن كبير لبعض مهماته، ولمخلفات معاركه الانتخابية في دائرة قصر النيل، وهو ما شجع في وقت لاحق أصحاب الورش المحيطة به، على استخدام بعض غرفه مخازن خاصة لتخزين قطع غيار السيارات التالفة، وتحويل دورات المياه الرخامية البديعة الموجودة في طابقيه الفريدين إلى مراحيض عمومية.
في العام 2006 تسلمت محافظة القاهرة قصر شامبليون وشرعت في عمليات ترميمه وإعادة إبراز معالمه التاريخية، تمهيدا لتحويله إلى متحف يضم أهم مقتنيات المحافظة، لكن عمليات التطوير سرعان ما توقفت لغرض خفي، سرعان ما تكشف، عندما ترددت أنباء عن نية بيعه لأحد كبار رجال الأعمال .
غموض و أقاويل متضاربة وأساطير حول القصر
لا يعرف أحد في مصر حتى اليوم لماذا تتوقف عمليات ترميم ذلك القصر المنيف البديع في معماره كلما بدأت، لكن كثيرين من أبناء الحي يروون قصصا متضاربة، ربما كان من أشهرها وأغربها تلك القصة التي تقول إن الأرض المقام عليها القصر مسكونة بالجان، وإنهم من يقومون بإيقاف أية عمليات ترميم أو يتسببون على الأقل في هروب العمال المكلفين بالعمل.
ويقول الكبار من سكان منطقة معروف: إن صاحبة الأرض المقام عليها القصر كانت تدعى زينب هانم، وكانت أختا غير شقيقة لسعيد حليم باشا، أوقفت معظم أملاكها على علماء الحنفية في الأزهر الشريف، قبل أن تغادر مصر وتتوجه إلى الأستانة، لكنها سرعان ما أصيبت بالجنون، فقام أخوها بوضع يديه على جميع ممتلكاتها مرة أخرى بدعوى أن أخته غير مسؤولة عن تصرفاتها، ومن ضمن هذه الممتلكات الأرض التي بني عليها قصر شامبليون.
وتكثر الأقاويل إذ يروي هؤلاء تلك القصص من دون أن يقدم أحدهم دليلاً علمياً على ما يقول إن علماء الأزهر الشريف حاولوا مراراً الحصول على الأرض بالطرق القانونية، باعتبار القصر والأرض المقامة عليه يعدان وقفا يحق للأزهر، إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل، الذي تحول بدوره إلى لعنة تطارد ليس القصر فحسب وإنما كل من يحاول الاقتراب منه.
قصر الفرص المهدرة
حياة الأمير سعيد حليم حفلت بالنجاحات والانقلابات حتى كانت نهايته المفاجئة، فبعد أن درس بالقاهرة وسويسرا وحصل على شهادة العلوم السياسية، تولى منصب الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) في تركيا في الفترة ما بين 1913 – 1916. وقَّع خلالها معاهدة التحالف مع ألمانيا عام 1914، وحاول الاستقالة عند اندلاع الحرب ولكنه احتفظ بمنصبه، وبعد قيام الحرب العالمية الأولى وبسبب معارضته دخول تركيا الحرب تم تقليص سلطاته، ثم عزله من منصبه كرئيسٍ للوزراء في تركيا، أمـا في مصر فقد تم مصادرة أملاكه ومن ضمنها قصره، وفي عام 1921 تم اغتيال الأمير سعيد حليم في روما.
وقبل أن يصبح قصر شامبليون من الأطلال، وفي عام 1934 حين لم يزل على بهائه، أصدر الملك فؤاد الأول مرسوما بتحويل قصر الأمير سعيد حليم إلى مدرسة تابعة لوزارة المعارف، حيث اعتلت يافطة مدرسة الناصرية سور القصر لتئول مسئوليته بمرور الوقت إلى وزارة التربية والتعليم والتي كانت تستأجره كمدرسة قبل أن يُـصدر محافظ القاهرة قراره بضمه لوزارة الثقافة في عام 2007 من أجل ترميمه، لتغازل أحلام تحويله لمتحف للفنون خيال المهتمين بالحفاظ على القاهرة التاريخية.
وقف حال
أثـر أم لا أثـر؟ تلك هي معضلة قصر شامبليون الذي تم تسجيله كأثر بالقرار الوزاري رقم 121 لسنة 2002. فقد جاء تسجيل قصر سعيد شامبليون أو حليم باشا على قائمة التراث في عام 2002 نتيجة لجهود مجموعة بحثية قدمت مشروعا باسم “هيركومانس” الذي يلفت النظر لوسط البلد في القاهرة، وقد قامت المجموعة بعمل حصر وتصنيف لتراث منطقة وسط البلد.
ووجد أنه يجب وضع هذا القصر على قائمة التراث، كما أعدت المجموعة مشروعًا لإعادة استغلاله متحفًا للقاهرة، إلا أن رجل الأعمال رشاد عثمان عندما علم بأن القصر سيتم تسجيله اشتراه قبل التسجيل بفترة بسيطة، وهو ما أوقف مشروع تحويله إلى متحف أو استغلاله في أي شيء.
صراع علي الملكية
تقرر وزارة الثقافة مخاطبة المجلس الأعلى للآثار حتى يتم اتخاذ اللازم لترميم القصر وصيانته لاستخدامه ثقافيًا. لكن المالك الجديد للقصر يرفع قضية ويكسبها فى عام 2009 لتسليمه القصر بناء على حكم محكمة القضاء الإدارى، بعد أن أظهر عقد البيع الذي جاء فيه أنه تم تحريره بين ورثة كل من المرحوم نينو هيرلنزكا، والمرحومة إيرين موديانو، والمرحومة أنا ميلز والمرحومة فيتوريا موديانو. والجميع إيطاليو الجنسية. وبين الطرف الثانى المشترى وهو شركة الفتح للاستثمارات العقارية، والتى يمثلها رئيس مجلس إدارتها رشاد عثمان.
ليظل السؤال قائما، هل من المعقول وضع أثر في حجم قصر شامبليون تحت الملكية الخاصة مهما بلغ ثمن شرائه، وهل سيجئ اليوم الذي يرد فيه الحق لأصحابه ويصبح القصر أثرا تاريخيا شاهدا على حقبة مهمة من تاريخ مصر، ويضاف إلى القيمة التاريخية الأثرية لبلد عظيم شاهد على كل العصور؟، ستجيب السنوات القادمة على هذا السؤال وسنرى.