الطفولة المبكرة هي محور تكوين شخصية الإنسان، وتؤثر على مراحل حياته المختلفة ونفسيته وعلاقاته بالمحيطين به، وتلازمه مثل ظله أينما ذهب وحيثما تواجد، الأمر الذي يلقي على عاتقنا كآباء مسؤوليات كبيرة تجاه تربية أبنائنا، ويجعلنا نتروى دائما عندما نختار أسلوب التربية السليم، وإلا النتائج ستكون كارثية بخروج شخص مشوه نفسيا للمجتمع يعاني من العديد من الاضطرابات مثل إضطراب الشخصية الإجتنابية.
ويقع إضطراب الشخصية الإجتنابية في المجموعة الثالثة من مجموعة إضطرابات الشخصية، المعترف بها في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، ويَظهر الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب أنماط سائدة من القلق والكبح الإجتماعي، والشعور بالعجز والدونية، الحساسية المفرطة تجاه التقييم السلبي، وتجنب التفاعل الاجتماعي. ويصف الأفراد المصابين بهذا الاضطراب أنفسهم بأنهم لا يشعرون بالراحة، قلقون، وحيدون، وعموما يشعرون بأنهم غير مرحبٍّ بهم من قبل الآخرين ومنعزلين عنهم.
وفق ما ورد في موقع “ويبميد” المعني بشؤون الأسرة، يعد أسلوب التعلق هو الموقف أو نمط السلوك الذي تميل إليه عند التواصل مع الآخرين. إذ تشكل تفاعلاتك المبكرة مع والديك أو غيرهم من مقدمي الرعاية، أسلوب الارتباط الخاص بك طول العمر. اعتمادًا على مدى قرب مقدمي الرعاية واستجابتهم لك، إذ يمكن أن يكون أسلوب تعلقك بمن حولك آمنًا أو قلقًا أو متجنبًا أو غير منظم أو أي نوع آخر.
ماذا يعني إضطراب الشخصية الإجتنابية؟
قبل أن نعرف حقيقة إضطراب الشخصية الإجتنابية علينا أن نعرف ما هو التعلق المتجنب. بدايًة هو أسلوب تعلق يتطور لدى الطفل عندما لا يُظهر الوالد أو القائم على رعايته الرعاية أو الاستجابة الكافيين، بخلاف توفير الأساسيات مثل الطعام والمأوى. يتجاهل الطفل صراعاته واحتياجاته من أجل الحفاظ على السلام وإبقاء مقدم الرعاية بالقرب منه. ويظل يعاني هذا الطفل ويشعر بالقلق أو الحزن، لكنه يفعل ذلك بمفرده، وينكر أهمية تلك المشاعر. غالبًا ما يبقى نمط الارتباط هذا مع الشخص خلال مرحلة البلوغ، مما قد يؤثر على علاقاته الرومانسية وصداقاته وعلاقاته الأخرى. اليوم، يُظهر ما يقرب من 30% من الأشخاص أنماطًا مختلفة من التعلق المتجنب كلها مرضية.
أسباب إضطراب الشخصية الإجتنابية
عندما يريد الطفل الدعم، قد يقلل الآباء ومقدمي الرعاية والذين يتجنبون التواصل معه من مشاكله أو يتجاهلونها برمتها، ما يشجعه على تطوير هذا المرض بداخله. ومن هذه السلوكيات الأبوية ما يلي:
- عدم الاستجابة عندما يبكي الرضيع أو الطفل.
- تثبيط البكاء ونهر الطفل الدائم.
- عدم إظهار ردود أفعال عاطفية ظاهريًا تجاه القضايا أو الإنجازات التي فعلها الطفل.
- السخرية من مشاكل الطفل.
- إظهار الانزعاج من تعرض الطفل لمشكلة ما.
- عدم معالجة القضايا الطبية أو الاحتياجات الغذائية في حينها.
- تجنب اللمس أو الاتصال الجسدي.
من المرجح أن يظهر الآباء هذه السلوكيات إذا كانوا صغارًا أو عديمي الخبرة، أو لديهم مرض عقلي. يمكن للأطفال أيضًا تطوير أنماط إضطراب الشخصية الإجتنابية بسبب التبني أو مرض الوالدين أو الطلاق أو الوفاة.
علامات إضطراب الشخصية الإجتنابية
تظهر هذه العلامات على الأشخاص بغض النظر عن العمر، وتشير هذه العلامات إلى إضطراب الشخصية الإجتنابية بأن تظهر عليهم أعراض الاكتئاب والقلق. ويرجع السبب إلى عدم إلتفات الآباء للصحة النفسية للطفل وتقديم الدعم النفسي له، فضلا عن الأفعال التالي ذكرها:
- تجنب اللمس الجسدي.
- تجنب الاتصال بالعين.
- عدم طلب المساعدة أبدًا أو نادرًا.
- تناول الطعام بطرق غير طبيعية أو مضطربة.
ومع نمو الأطفال الذين يعانون من هذا الإضطراب، قد تظهر عليهم علامات في العلاقات والسلوكيات اللاحقة، منها:
- صعوبة في إظهار مشاعرهم أو الشعور بها.
- عدم الراحة مع التقارب الجسدي واللمس.
- اتهام شريكهم بأنه شديد التشبث أو شديد التعلق.
- رفض المساعدة أو الدعم العاطفي من الآخرين.
- الخوف من القرب من الشريك وأنه يسبب له الأذى.
- إن الشعور بالاستقلال الشخصي والحرية أهم من الشريك والزواج.
- عدم الاعتماد على الشريك في أوقات التوتر، وعدم السماح للشريك بالاعتماد عليه.
- الهدوء في غير موضعه وبخاصة في المواقف الشديدة التي تسيطر عليها الانفعالات عادةً.
علاجات إضطراب الشخصية الإجتنابية
يمكن أن يمنع إضطراب الشخصية الإجتنابية العلاقات الصحية والمرضية بين الأفراد وشركائهم وعائلاتهم وأصدقائهم. يمكنك الانتقال من أنماط إضطراب الشخصية الإجتنابية إلى أنماط التعلق الآمنة من خلال العلاج السلوكي المعرفي (CBT).
يأتي ذلك بتحديد أنماط التفكير والسلوكيات الضارة، وفهم سبب حدوثها ومتى تحدث، والتراجع عنها من خلال لعب الأدوار الحقيقية في حياة الطفل فالأم لا بد أن تبقى مصدر الحنان والقرب، والأب عليه أن يؤدي دوره التربوي على أكمل وجه، فضلا عن العمل على حل المشكلات في وقتها، وبناء الثقة بالنفس. بالنسبة لهذا الإضطراب، يمكن للعلاج السلوكي المعرفي معالجة الأفكار والمعتقدات المتجنبة، والعمل على بناء أنماط فكرية آمنة للتعلق في مكانها الصحيح.
يعد العثور على المعالج المناسب جزءًا مهمًا من العلاج، ويجب أن يشعر طفلك بالراحة مع المعالج ويكون قادرًا على الاعتماد عليه. أما مع العلاج، فيعد الاتساق أمرًا أساسيًا، حتى لو كنت تشعر أن أفكار وسلوكيات طفلك تتحسن بسرعة.
منع حدوث هذا الإضطراب من الأساس
باعتبارك أحد الوالدين، يمكنك تشجيع طفلك على تطوير أسلوب التعلق الآمن بدلاً من الإصابة بهذا الإضطراب من خلال الخطوات التالية:
- أن تضع في اعتبارك مشاعرك الخاصة وكيفية إظهارها أمام طفلك، أظهر مشاعرك على وجهك ومن خلال لغة الجسد، طالما أنك لا تؤذي نفسك أو أي شخص آخر.
- الحصول على قسط كاف من النوم. قد يكون من الصعب إيجاد وقت للنوم كوالد أعزب، لكن قلة النوم قد تجعلك أكثر عصبية وأقل قدرة على التحكم في عواطفك. اطلب من أصدقائك وعائلتك المساعدة في الأعمال المنزلية والمسؤوليات الأخرى، حتى يكون لديك الوقت للحصول على قسط جيد من الراحة أثناء الليل.
- الانتباه إلى الأصوات وتعبيرات الوجه والحركات التي يقوم بها طفلك في المواقف المختلفة. على سبيل المثال، قد يبدو بكاء طفلك مختلفًا عندما يكون جائعًا عنه عندما يكون متعبًا، وعليك التفرقة بين الحالتين.
- قضاء وقت ممتع مع طفلك. تحدث معه والعب معه لعبة الاستغماء، وابتسم له والمسه وأظهر له اهتمامك ورغبتك في قضاء الوقت معًا.
- لا تضع نفسك في دائرة الضغوط التي لا تنتهي لتصبح والدًا “مثاليًا”. فلن يؤدي ذلك إلى أي تفاعل أو تحسن أسلوب التعلق لدى طفلك أو كسره. إن السعي للتواصل مع طفلك وبذل قصارى جهدك لتكون متواجدا في حياته سيضعك على المسار الصحيح نحو بناء أنماط ارتباط نفسية وصحية.
وأخيرا، يتوجب علينا تربية أبنائنا بالطريقة المثلى، لتجنبهم المشاكل النفسية والإضطرابات العقلية، فالحب والحنان والاهتمام، كلها مجتمعة تخلق طفلا سويا قادرا على التعبير عن نفسه، وبجانب الحنان تأتي الشدة في وقتها كنوع من تدريب الطفل على تحمل المسؤولية، والموازنة بين الشدة واللين هي الطريق الصحيح؛ لخروج شخص سوي متوازن نفسيا ولا يعاني من هذه الإضطرابات ينفع نفسه ومجتمعه.