حديثنا اليوم عن مدينة كاملة مهجورة عن بكرة أبيها وهي مدينة كولدارا أو قرية كولدارا، وهي مدينة أثرية قديمة كانت ذات يوم مركز التجارة والصناعة، عامرة بساكنيها تدب فيها الحياة، حتى وقع أمر لا يصدقه عقل.
بالتحديد في عام 1825، اختفى سكان القرية بالكامل وبدون سابق إنذار، ولم يأخذوا شيئا معهم، وتركوا منازلهم خاوية على عروشها، فإذا كنت من محبي السفر والمغامرة وسبر أغوار الغموض، فلا ريب أن قرية كولدارا في الهند هي الوجهة الأنسب لك.
إذ تعد من أكثر الأماكن السياحية غموضًا ورعبًا، نظرًا لما يشاع حولها من أساطير، وما يحدث داخلها من أشياء خارقة وغير طبيعية، والتي لم يتم التوصل إلى سبب واضح لحدوثها حتى الآن، حتى بعد زيارة عدد كبير من الباحثين والمحققين في الخوارق الطبيعية لها.
قرية كولدارا
تقع قرية كولدارا على بعد حوالي 30 كيلومترا، من مدينة جايسالمر، وهي تقسيم إداري في دولة الهند تتبع ولاية راجاستان، إذ يتعرج منها مسار رملي يؤدي إلى كولدارا المهجورة، والتي يتخللها غطاء نباتي ضئيل جدًا، نسبة إلى الرمال والأتربة التي غطت المنطقة بالكامل، لتصبح أرضًا قاحلة خاوية، لا يسكنها إنسان ولا حتى حيوان، فما سر الغموض المحيط بها؟ وما الذي جعل من القرية منطقة جاذبة جدًا للزوار والسياح على مدار العام.
ذكر المؤرخ الهندي لاكاشمي في كتابه تواريخ جيش المعرض الصادر عام 1899، أن أول ساكن في هذه القرية يدعى كاهان من طائفة الباراهمن التابعة لأكبر الطوائف الهندوسية في الهند، وقد هاجر كاهان من قريته قاصدا قرية كولدارا لتوفير المياه للقرية الجديدة، وقام بحفر بركة سماها اود هانسار، بالإضافة إلى نهر كاكني الذي يمر بمحاذاة القرية بجانب الآبار المحفورة.
نتيجة لذلك، ازدهرت الحياة في قرية كولدارا وصارت مقصدا للتجارة والزراعة وتجارة العملة كما تعرف الأن، وبقيت مزدهرة على مدى ست قرون، من القرن 13 حتى القرن 19، والذي حمل معه نهاية مأساوية لم تكن في الحسبان.
ما سنرويه في السطور التالية يحير العقول ويذهب بالأذهان إلى تفسيرات عديدة لا تشفي فضولنا، لا سيما بعد معرفتنا بأن هناك 30 قرية مجاورة لقرية كولدارا هجرها سكانها بشكل مفاجئ، فهل الأمر مصادفة؟، حسنا سنرى.
بطل الأحداث القادمة هو وزيز منطقة جيش المار ويدعى سليم سينج سليم، ذو سلطان ونفوذ وقوة كبيرة، كان معروفا بوحشيته وظلمه الذي يقع على كل من يخالف أوامره. حدث ذات يوم أن زار قرية كولدارا هذا الظالم الدموي، وما أن وطأت قدميه القرية حتى أصابه سهام الحب تجاه فتاة من القرية، وأرسل وزيره ليطلب يدها للزواج ولكنها رفضت.
قرر سليم أن يتزوج من ابنة رجل فقير بالقرية، إذ اعتاد الوزير الحصول على ما يريده فور طلبه، ولكن المفاجأة أن الفتاة رفضت الزواج به، ما أثار غضبه وحنقه وجعله يهدد الشعب برفع الضرائب، بل القضاء على القرية بأكملها، إن لم يتم تنفيذ مطلبه، إلا أن سكان كولدارا كانوا متحدين جدًا ولم يرتضوا الذل والمهانة.
أشباح قرية كولدارا
وفقْا للأسطورة المحلية، فإن سكان القرية تضامنوا مع عائلة الفتاة، ما دفع ذلك الوزير لقتلهم وإبادتهم تمامًا، فلم يتبقَ منهم أي شخص، هكذا اختفى السكان بين ليلة وضحاها، حتى إنه لم يعد لجثثهم أي أثر، بيد أن أشباحهم ولعنتهم لم تنفك عن مطاردة كل من يحاول المكوث في قريتهم.
في المقابل، هناك رواية أخرى بحسب بعض سكان المناطق المجاورة، وهي أن سكان القرية اتفقوا خلسة على التسلل في جوف الليل والفرار من المنطقة بأكملها، ومن الظلم الواقع عليهم، ولكنهم كذلك عزموا على الانتقام من الوزير، وأقسموا أن تحل لعنتهم على قرية كولدارا قبل أن تطأ أقدامهم أي أرض جديدة، وبالفعل اختفى سكان القرية جميعا ولم يعثر لهم على أثر حتى الظالم سينج.
التفسير العلمي
لا بد لنا أن نبحث عن التفسير العلمي، لأي قضية أو اسطورة حتى يتسنى لنا كشف الحقيقة دون مواربة، فقد أجمع العلماء على أن السبب الحقيقي وراء اختفاء سكان قرية كولدارا المفاجئ كان نتيجة انحسار الماء عن القرية، الأمر الذي يستحيل معه العيش في أي مكان على الأرض.
في بداية القرن التاسع عشر بدأت مياه الآبار في الجفاف كما انحسرت المياه في البركة المشار إليها سابقا، ولم يتبقى منها سوى المياه الراكدة في قعر النهر. وعليه هجر السكان القرية بشكل تدريجي إلى أن هجرها الجميع، بسبب قلة الماء وتأثيره على الزراعة وسبل الحياة بشكل عام.
تفسير أخر للقصة
في عام 2017 ظهرت ورقة بحثية بقلم المهندس اي بي في جريدة كارنت ساينس العلمية، تفيد بأن السبب الحقيقي لهجران أهل قرية كولدهارا هو حدوث زلازل مدمر، وهو ما يظهر جليا على معالم القرية وأسقف البنايات وأعمدتها، ويصدق العلماء والمهندسين والجيولوجيين على صحة هذا التفسير بحسب المعطيات الموجودة في القرية حتى يومنا هذا.
لكن السكان المحليين للقرى المجاورة يصرون على أسطورة أخرى وهي أن كهنة الابراهيمين وهم ضمن السكان الأصليين للقرية، ألقوا لعنتهم على القرية بأن لا يستطيع أحد العيش في القرية بعدهم؛ لأن أهلها هجروها بسبب دفاعهم عن شرفهم.
ويروي البعض أنهم شاهدوا حرائق تندلع بشكل مفاجئ، وتنطفئ أيضًا من تلقاء نفسها دون أي تدخل بشري، والبعض رأى ظلالا سوداء تنساب عبر الأبواب وتمر خلال النوافذ الموصدة، كذلك سمعوا صوت ضحكات وقهقهات عالية جدًا بعد منتصف الليل، ما جعلهم يرجحون وجود أشباح وقوى خارقة للطبيعة في تلك البقعة، ومنذ تلك اللحظة يتوافد السياح على القرية في محاولة لكشف اللغز، ولكن لم يقوَ أي شخص آخر على المبيت في منازلها المسكونة، عقب ما تم تداوله من قصص مخيفة.
إلى ذلك، يأخذنا الواقع إلى طريق أخر لطرح العديد من الأسئلة منها، لماذا لم يقدر أحد على المكوث في هذه القرية، وكل من حاول ذلك يشاهد ظواهر غريبة وأشياء غامضة تحدث من حوله، كالظلال المتحركة وأصوات وهمهمات غريبة، وأحاديث لا يعلم مصدرها، وكانت شهادة كل البعثات التي ذهبت لاكتشاف الحقيقة تفيد بأن هذه القرية مسكونة ولا يمكن لأحد أن يعيش فيها.
اللافت في الأمر هو إعلان السلطات المحلية الهندية بأن قرية كولدار مسكونة عام 2010، ما جعل منها قرية مشهورة مكتظة بالسائحين ومحبي الغموض والمغامرة. بالفعل أضحت قرية كولدارا بعد تطويرها من قبل السلطات وتزويدها بمباني لاستقبال السائحين، فضلا عن بعض التجهيزات الأخرى.
من جانبهم، يؤكد السكان المحليين هذه الأساطير التي تتأرجح بين لعنة الكهنة وهجر أهل القرية لرفضهم زواج ابنتهم من الحاكم الظالم، بغية الحصول على الأموال بعد انتعاش السياحة في هذه المنطقة، ويظل الأمر غامضا ولا يعلم حقيقته إلا الله.
على الرغم من خواء القرية المهجورة، وتعاقب الفصول عليها لعدة قرون متتالية، إلا أن مبانيها تقف شامخة وثابتة، حتى تلك المبنية من الطوب اللبِن، إذ لا تزال جدران منازل كولدارا وأسطحها باقية، قوية وصلبة، لتتحدى ويلات الزمن والطقس، ما يوضح مدى براعة البنائين وتطور الهندسة المعمارية آنذاك.
بالإضافة إلى المعبد القديم القابع في وسط القرية، والذي لم يخلف عليه الزمن آثاره أيضًا، لتبقى هذه المعالم بالشرفات الخاوية المطلة على الأرض الجدباء، محدقة في أعين السياح، تحمل سرها الذي لا يعلمه سوى شعبها المفقود. هكذا وبعد أن ذاع صيت المنطقة في الآونة الأخيرة، قررت هيئة الآثار الهندية إبقاء القرية تحت إشرافها، كما حددت مواقيت معينة لزيارتها والتنقل ببين منازلها المهجورة.