تقنية الواقع الافتراضي والصحة النفسية.. ثورة جديدة في العلاج النفسي
استخدام تقنية الواقع الافتراضي في علاج الأمراض النفسية
نظراً لما تحدثه التكنولوجيا في العصر الحديث من ثورة هائلة في كل المجالات، وتلعب تقنية الواقع الافتراضي دورًا بارزًا في التطوير وتحسين كفاءة الخدمات، ومن ضمن المجالات التي يدخل بها تطبيق الواقع الافتراضي مجال الصحة النفسية، فما هو الواقع الافتراضي وما هي الصحة النفسية وعلاقتهما ببعضهما البعض؟ هذا ما سنعرفه طي سطور المقال.
مفهوم الصحة النفسية
يتمحور مفهوم الصحة النفسية حول قدرات الفرد العقلية والعاطفية والتي تقوم بدورها في مساعدته على مواجهة التحديات اليومية والضغوط النفسية، وإقامة علاقات صحية بينه وبين الآخرين، بجانب اتخاذ القرارات المناسبة وفق متطلباته الحياتيه، وفي حالة حدوث خلل في أي منحى من مناحي الحياة، يعني إصابة الفرد باضطرابات نفسية تجعله غير قادر على ممارسة المهام اليومية بفعالية، من هنا ظهر مفهوم الصحة النفسية وتعددت الطرق المختلفة لعلاجها في كافة جوانبها، والتي تتمثل في:
- التوازن العاطفي وقدرة الفرد على التحكم في مشاعره بطريقة صحيحة.
- القدرة على التعامل بمرونة مع تحديات الحياة وضغوطها والتكيف معها على أكمل وجه.
- الحرص على إقامة علاقات اجتماعية صحية وسط بيئة من الدعم الإيجابي.
- الرضا تجاه التحديات الحياتية والقدرة على الاستمتاع بالحياة على اختلاف وجوهها.
تقنية الواقع الافتراضي
تقنية الواقع الافتراضي أو فيما تعرف بالـ VR هي تقنية يتم خلقها باستخدام الحاسوب؛ لإنتاج بيئة ثلاثية الأبعاد فيشعر المستخدم لها وكأنه يحاكي الواقع تماماً، ويتم استخدام أدوات منها النظارات والخوذات للتعامل مع هذه التقنية، ويكون ملحقاً بهذه الأدوات أجهزة استشعار تسيطر على حركة الرأس والجسم؛ ما يؤدي إلى سهولة التكيف مع البيئة الجديدة والتفاعل مع عناصرها، وأهم خصائص هذه التقنية ما يلي:
- بيئة تفاعلية تتيح للمستخدمين الوجود في بيئة أخرى جديدة منعزلة عن العالم الحقيقي بالمميزات التي يريدونها ويتفاعلون معها.
- تغطي التنقية جميع حواس المستخدم فيشعر وكأنه موجوداً بالكامل داخل البيئة.
- وجود أجهزة استشعار آمنة على الجسم تماماً لتتبع حركة الرأس والجسم واليدين وفي أوقات أخرى كامل الجسم، وهذا ما يعزز تفاعل المستخدم مع البيئة الافتراضية.
علاج الصحة النفسية بالواقع الافتراضي
تدخل تقنية الواقع الافتراضي في العديد من المجالات الصحية بما فيها الصحة النفسية؛ حيث أن هنالك ما يقرب من 20 اضطراباً نفسياً يتم الاستعانة بالواقع الافتراضي في علاجهم، ومن تلك الاضطرابات:
- اضطرابات القلق: وفيها يتم التغلب على نوبات القلق لدى الشخص من خلال تعرضه لبيئة آمنة بها مواقف مقلقة ومن ثم وضع الخطوات المناسبة؛ للتعامل مع المريض من خلال التحكم في مستوى صعوبة المواقف وتدريجها ومساعدته في الاسترخاء.
- اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): حيث يقوم مختص بتعريض المريض لمواقف وذكريات مؤلمة وصادمة، من ثم التحكم في الصدمة والمشاعر الناجمة عنها، كما يتم تطبيق ذلك فعلياً على أرض الواقع بعد التماثل للشفاء.
- الإدمان: تستخدم تقنية الواقع الافتراضي في علاج الإدمان، حيث يتم تعريض المريض لمحفزات إدمان في البيئة الافتراضية الآمنة ثم تدريبه على مقاومتها مع ضبط النفس وتعزيز استراتيجية التأقلم على أرض الواقع.
- اضطرابات الأكل: وتعني عدم رغبة الفرد وإعراضه عن تناول الأطعمة والمغذيات؛ نتيجة القلق أو الخوف من شيئ ما، ويتم علاج ذلك بتقنية الواقع الافتراضي من خلال تعرض الفرد لمواقف تحاكي تحديات صورة الجسم وتناول الطعام، وتأتي النتيجة بالتغلب على المشاعر السلبية والأفكار والمخاوف التي قد تعيق الفرد عن تناول طعامه الضروري لبناء الجسم.
- اضطراب ثنائي القطب: ويهدف إلى التقليل من النوبات عن طريق التعرض لمحفزات معينة تساعد على تطوير التعامل مع التغيرات المزاجية وكذلك التحكم والتأقلم مع نوبات القلق والاكتئاب والهوس وعلاج السلوك المعرفي، وهذا كله في بيئة افتراضية من خلال تقنية الواقع الافتراضي تساعد على تقويم الفرد من خلال مواقف محاكاة لأرض الواقع.
- اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD): ويتم عن طريق خطوات معتمدة تشمل تقييمًا أولياً؛ لتحديد مدى خطورة حالة المريض عن طريق إجراء اختبارات شخصية وتحليلات معينة، ثم عرض المريض على بيئة افتراضية بها أنشطة مختلفة تساعد على التركيز وتقليل التشتت، ومساعدة المريض على التفاعل مع تلك الأنشطة وتحفيزه لتحسين الاستجابة لها مع وجود تغذية راجعة فورية لأدائه؛ وذلك لتعزيز مهارة التعلم وتطوير مهارات انتباهه، ويتم تكرار هذه الجلسات على فترات وعمل تقييمات دورية؛ لتحديد مدى استجابة المريض للعلاج بشكل فعال.
- اضطرابات النوم: وفيها يتم خلق بيئة افتراضية هادئة يتم فيها التدريب على الاسترخاء وخلق عادات نوم إيجابية.
وهناك أيضاً اضطرابات أخرى يتم معالجتها بتقنية الواقع الافتراضي عن طريق بيئة تحاكي أرض الواقع يتم تعريض المريض لها وخلق مواقف فعالة تساعده على التخلص من اضطرابه النفسي، ومن هذه الاضطرابات:
- اضطرابات الشخصية.
- اضطرابات التعلق.
- الغضب.
- الألم المزمن.
- اضطرابات التعلم.
- الوسواس القهري.
- اضطراب الاكتئاب.
كيف أحسن صحة طفلي النفسية بالواقع الافتراضي؟
يتجه معظم الأطفال في الوقت الحالي للاعتماد على التكنولوجيا في كافة نشاطات حياتهم، وذلك لما يتمتع به ذهنهم من توقد وحيوية في التعامل مع مثل هذه التقنيات الحديثة، ويمكن استخدام الواقع الافتراضي في تحسين الصحة النفسية لدى الطفل عن طريق:
- تعريض الطفل عند استخدامه لتقنية الواقع الافتراضي، ليمر بتجارب مهدئة مثل رؤيته لجلسات التأمل والطبيعة الساحرة، ما يساعد في استرخاء جسم ونفس الطفل وتخلصه من القلق والتوتر.
- تحسين مهارات التواصل لدى الطفل من خلال تطوير المهارات الاجتماعية لديه، وذلك عن طريق خلق مواقف واقعية في العالم الافتراضي مثل النزاعات الاجتماعية أو التعامل مع زملاء الفصل ومن ثم تدريبه على حلها والتكيف معها.
- مواجهة الصدمات من خلال التعرض لمواقف مؤلمة وتدريب الطفل على طريقة تخطي الصدمة.
- تحفيز بيئة التركيز والانتباه لدى الطفل من خلال الألعاب والتحديات في العالم الافتراضي.
- استخدام علاج السلوك المعرفي CBT من خلال بيئة افتراضية آمنة ومدروسة تساعد الطفل على مواجهة تحدياته النفسية.
وختاماً، تعد تقنية الواقع الافتراضي تقنية حديثة بسلاح ذو حدين؛ ولذلك وجب التنويه لإدارة استخدامها فيما يفيد، وتطويعها في خلق أفراد بصحة نفسية جيدة قادرة على مواجهة الصعوبات والتغلب على التحديات، ومواجهة الأزمات النفسية بما يتماشى مع روح العصر وهي التكنولوجيا.